أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الأردن يقود المعركة الدبلوماسية: تحليل استراتيجي لخطابي جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة الثمانين للأمم المتحدة

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,الملك عبدالله الثاني,ولي العهد,الحسين بن عبدالله الثاني,الأمم المتحدة,استعادة الأمل
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - د. "محمد خير" فيصل الضمور (باحث في العلوم السياسية وفض النزاعات الدولية)

المقدمة: في قلب العاصفة.. صوت الحكمة والشرعية

في أروقة الأمم المتحدة بنيويورك، حيث تتصارع الروايات وتغيب الحقيقة أحياناً، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في الدورة الثمانين للجمعية العامة ليكون صوتاً للعدالة والإنسانية. خلال الفترة من 22 إلى 23 أيلول 2025، قدّم جلالته خطابين تاريخيين بحضور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني؛ الأول في "المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية وتنفيذ حل الدولتين"، والثاني في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة. لم يكونا مجرد كلمات تلقى في محفل دولي، بل شكلا خارطة طريق استراتيجية لتجديد الدبلوماسية متعددة الأطراف وتفكيك الرواية الأحادية التي هيمنت لفترة طويلة على التعاطي مع القضية الفلسطينية. هذا التحليل يتناول المضامين العميقة لهذين الخطابين ضمن إطار نظري يستند إلى نظرية القوة الناعمة وتحليل الخطاب السياسي، مسلطاً الضوء على البعد الاستراتيجي للدور الأردني تحت قيادة جلالته وولي عهده الأمين.

تحليل الخطاب: تفكيك الهيمنة وإعادة بناء النسق الدولي

خطاب المؤتمر الدولي: إطار الحل العملي والشرعية الدولية

تميز خطاب جلالة الملك في المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية - بحضور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني - بالوضوح والعمق الاستراتيجي. افتتح جلالته بربط مباشر بين تحقيق الأمن الإقليمي والعالمي وبين حل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، مجسداً مقاربة "الواقعية الأخلاقية" التي تجمع بين الاعتبارات السياسية والضرورات الأخلاقية. اعتمد الخطاب على ثلاثة مرتكزات أساسية:

١- الشرعية الدولية: بوصف الحرب على غزة "انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية"، مما يؤطر الموقف ضمن الإطار القانوني الدولي.

٢- المسؤولية الجماعية: بالتأكيد على مسؤولية المجتمع الدولي، والأمم المتحدة تحديداً، في حفظ السلم والأمن الدوليين.

٣- الحل العادل الشامل: من خلال الدعوة إلى "وقف جميع الإجراءات التي تقوض حل الدولتين"، وهي إشارة واضحة إلى الاستيطان والإجراءات الأحادية.

خطاب الجمعية العامة: السرد التاريخي الجذاب والنقد الجذري

ارتقى خطاب الجمعية العامة إلى مستوى النقد الجذري لمنظومة الفشل الدولي المزمن. استخدم جلالته أسلوباً بلاغياً قوياً، ممزجاً السرد التاريخي مع السؤال الاستنكاري الذي يهز الضمير العالمي: "إلى متى؟". قدم جلالته تحليلاً منهجياً أبرز ثلاثة أبعاد تجعل الصراع فريداً وخطيراً:

١- البعد الزمني: كونه "أقدم صراع مستمر في العالم".

٢-البعد القانوني: كونه "احتلالاً غير قانوني لشعب مسلوب الإرادة".

٣- بعد المعايير المزدوجة: من خلال تساؤله الجريء عن ردود الفعل الدولية المختلفة تجاه سياسات متناقضة.

كما حذر جلالته، بصفته الوصي الهاشمي على المقدسات، من أن "العبث بالوضع الحساس في المدينة المقدسة سيتسبب بتفجير صراع عالمي"، مرفقاً التحليل السياسي بتحذير أمني استراتيجي.

المقارنة التحليلية بين الخطابين

من حيث الهدف الرئيسي: تمحور خطاب المؤتمر الدولي حول التأطير الاستراتيجي وطرح الحل العملي المتمثل في حل الدولتين، بينما ركز خطاب الجمعية العامة على النقد الجذري للنظام الدولي وإنهاء حالة الصمت.

من ناحية الأسلوب الخطابي: اعتمد خطاب المؤتمر الدولي على الطرح المباشر والعملي القائم على الحلول، في حين تميز خطاب الجمعية العامة ببراعة السرد التاريخي الجذاب والتساؤلات الاستنكارية التي تفضح الازدواجية.

بخصوص الجمهور المستهدف: توجه خطاب المؤتمر الدولي إلى صناع القرار في الدول المؤثرة، بينما خاطب خطاب الجمعية العامة الرأي العام العالمي ومجتمع الدول بأكمله.

فيما يخص المرتكز القانوني: استند خطاب المؤتمر الدولي إلى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، بينما ارتكز خطاب الجمعية العامة على القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان.

الدبلوماسية المصاحبة: بناء التحالفات وتعزيز الفاعلية الإقليمية

لم تقتصر جهود جلالة الملك على إلقاء الخطابات، بل قاد حملة دبلوماسية مكثفة على هامش أعمال الجمعية العامة عززت من الفاعلية الإقليمية للأردن. تمثلت هذه الجهود في حشد التأييد الدولي حيث أسهمت الجهود الأردنية في التأثير على مواقف دولية تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعزيز التنسيق الإقليمي من خلال اللقاءات الثنائية مع قادة دول ومنظمات دولية، والربط الاستراتيجي بين أمن المنطقة وأمن العالم.

الدعم الإنساني: تجسيد عملي للالتزام الأخلاقي والاستراتيجي مع الأشقاء

يظهر التحليل أن الموقف الأردني يتجاوز الخطاب السياسي إلى العمل الميداني، حيث يمثل الدعم الإنساني المتواصل تجسيداً للالتزام الأخلاقي والاستراتيجي. وفقاً للبيانات الرسمية، قام الأردن بتسيير قوافل برية وإنزالات جوية مباشرة، بالإضافة إلى إنزالات جوية بالتعاون مع دول شقيقة وصديقة. كما تم إرسال مستشفيات ميدانية واستقبال عشرات الآلاف من المراجعين و الحالات المرضية، وإطلاق مبادرات متخصصة مثل "استعادة الأمل" لتركيب الأطراف الاصطناعية.

الأبعاد الاستراتيجية والتداعيات المتوقعة

يسعى الخطاب الأردني إلى كسر الحلقة المفرغة للفشل الدولي من خلال نزع الشرعية عن الإجراءات الأحادية والإطار التفاوضي العقيم، وإعادة تعريف الصراع من نزاع على الأرض إلى قضية احتلال لدولة مستقبلية، وتحفيز دبلوماسية نشطة للضغط لوقف الاستيطان والعودة لمفاوضات جادة.

ويتوقع أن تؤدي هذه الرؤية إلى تحريك الرأي العام الدولي نحو تبني مواقف أكثر عدالة، وبناء تحالفات دولية جديدة تقوم على القيم والمبادئ المشتركة، وتعزيز موقع الأردن كمرجعية إقليمية ودولية وجسر ضروري بين الموقف العربي والمجتمع الدولي.

الخاتمة: الهاشميون وحمل رسالة الحق

في الختام، يمثل خطابا جلالة الملك عبدالله الثاني في الدورة الثمانين للأمم المتحدة - بحضور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني - نموذجاً راقياً للدبلوماسية الهاشمية الأصيلة التي تنتقل من منطق القوة إلى قوة الحق. لقد نجح الأردن تحت قيادة جلالته وولي عهده الأمين في تقديم رؤية واضحة تفضح الازدواجية وتعيد الاعتبار للشرعية الدولية. إن الرسالة الأردنية التي حملها جلالة الملك إلى العالم تؤسس لمرحلة جديدة، حيث يصبح الأردن ركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع.

المراجع:

1. الخطاب الكامل لجلالة الملك عبدالله الثاني في المؤتمر الدولي حول التسوية السلمية وتنفيذ حل الدولتين - 22 أيلول 2025 - الموقع الرسمي للديوان الملكي الهاشمي

2. الخطاب الكامل لجلالة الملك عبدالله الثاني في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة - 23 أيلول 2025 - الموقع الرسمي للديوان الملكي الهاشمي

3. الضمور، محمد خير فيصل أحمد والمشاقبة، أمين عواد مهنا - تحليل الخطاب السياسي للمملكة الأردنية الهاشمية تجاه القضية الفلسطينية - مجلة اتحاد الجامعات العربية للبحوث في التعليم العالي - 2024

د. "محمد خير" فيصل الضمور

باحث في العلوم السياسية وفض النزاعات الدولية


مدار الساعة ـ