أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الركيبات تكتب: تداعيات تغير المناخ بشري المنشأ على الأردن


الدكتورة رشا الركيبات
باحثة علوم وسياسات نظام الأرض

الركيبات تكتب: تداعيات تغير المناخ بشري المنشأ على الأردن

الدكتورة رشا الركيبات
الدكتورة رشا الركيبات
باحثة علوم وسياسات نظام الأرض
مدار الساعة ـ

أطروحة الأنثروبوسين والتحديات الوجودية

يُعد "الأنثروبوسين" (Anthropocene) مفهومًا علميًا حديثًا يصف العصر الجيولوجي الذي تتجلى فيه القوة التحويلية للأنشطة البشرية على نطاق كوكبي واسع، ‏بدءًا من المناخ والأنظمة البيئية وصولًا إلى الدورات البيوجيوكيميائية على الأرض. ورغم عدم اعتماده رسميًا حتى الآن في ‏الأوساط العلمية، فإن استمرار تداوله يعكس قيمته التحليلية في توصيف التحديات الراهنة.

التغيرات بشرية المنشأ (Anthropogenic Changes) هي التغيرات الناجمة عن الأنشطة البشرية (Anthropogenic activities). ويُستخدم مصطلح "أنثروبوجينيك" (Anthropogenic) لوصف التأثيرات أو العمليات أو المواد الناتجة عن أنشطة الإنسان، بخلاف ما يحدث طبيعيًا دون تدخل بشري. تؤثر هذه التغيرات ‏في منظومة الأرض، بما في ذلك جيولوجيا الأرض (Earth's Geology) وأنظمتها البيئية (Environmental Systems) والمناخية (Climatic Systems)، نتيجة للنمو السكاني والتقدم الثقافي والاقتصادي والتكنولوجي.

تنقسم الأنشطة بشرية المنشأ ‏ إلى ثلاثة أنواع رئيسية: الأنشطة الصناعية، وتشير إلى العمليات المتعلقة بإنتاج السلع والخدمات، والتي كثيرًا ما تؤدي إلى انبعاث غازات الدفيئة والملوثات الكيميائية، وتشمل التصنيع والتعدين وإنتاج الطاقة، بما يسهم في ‏تدهور جودة الهواء والماء والتربة. والأنشطة الزراعية، وتشمل استخدام الأراضي والمياه للزراعة وتربية المواشي، وما ينجم عنها من تآكل التربة وإزالة الغابات، وتلوث المياه نتيجة استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية. كما أن التحول المستمر للأراضي الزراعية يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي وصحة النظم البيئية الطبيعية. أما التحضر‎ ‎، توسع المناطق الحضرية على حساب الموائل الطبيعية، بما يؤدي إلى تدمير الموائل‎ (Habitats) ‎وفقدان التنوع البيولوجي، ‏ويترافق مع زيادة استهلاك الموارد الطبيعية وإنتاج النفايات وتوسع البنية التحتية، ما يفرض ضغوطًا كبيرة على البيئة ‏المحيطة.

في هذا الإطار، يمثل الأردن نموذجًا حيًا لانعكاس أزمة المناخ العالمية، أي "تغير المناخ بشري المنشأ‎" (Anthropogenic ‎Climate Change)‎، على المستوى المحلي وما تفرضه من تحديات وجودية متعددة الأبعاد على الأمن المائي والغذائي ‏والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. لا يهدف هذا المقال إلى سرد الوقائع فحسب، بل إلى تحليلها وربطها ضمن إطار فكري ‏متماسك يبيّن أن الأردن، في مواجهته لتداعيات "الأنثروبوسين"، يتبنى نهجًا استراتيجيًا متكاملًا يستند إلى منظور "علم نظام ‏الأرض‎" (Earth System Science - ESS) ‎ والتفكير المنظومي ‎ (Systems Thinking)‎، وهما الأساس الحقيقي لتعزيز مرونة ‏المملكة على المدى الطويل.

التداعيات المباشرة لتأثيرات التغير المناخي بشري المنشأ في الأردن ‏

إن تأثيرات التغير المناخي بشري المنشأ في الأردن ليست تنبؤات مستقبلية، بل وقائع ملموسة ومترابطة تُرى في جوانب الحياة ‏اليومية. وتمثل هذه الأزمة المتداخلة مثالًا واضحًا على مفهوم الأنثروبوسين، حيث تتشابك العوامل البشرية والطبيعية ‏لتنتج واقعًا معقدًا يفرض تحديات عميقة متعددة الأبعاد. ولا يقتصر المقال على وصف أزمة المياه بمعزل عن غيرها، بل ‏يربطها منهجيًا بالتدهور البيئي والضغط الاقتصادي على القطاع الزراعي‎.

يُصنف الأردن ضمن أفقر دول العالم مائيًا، إذ تبلغ حصة الفرد من الموارد المائية المتجددة السنوية 61 مترًا مكعبًا فقط، ‏وهو أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي البالغ 500 متر مكعب للفرد سنويًا. وهذا الواقع ليس مصادفة، بل نتيجة ‏مباشرة لتداخل التغيرات المناخية مع الضغوط السكانية والاجتماعية. وقد أدى تغير المناخ، بتأثيراته البشرية المنشأ، إلى ‏ارتفاع معدلات الرطوبة والتبخر-النتح، ما يسرع وتيرة استنزاف المياه الجوفية. وتشير الدراسات إلى أن مستويات المياه في ‏بعض الطبقات الجوفية الرئيسية تنخفض بأكثر من عشرة أمتار سنويًا في بعض المناطق، وهو معدل استخراج غير ‏مستدام يهدد استمرارية الموارد المائية على المدى المتوسط والبعيد. ويتفاقم هذا الاستنزاف بوجود آلاف الآبار المخالفة التي ‏تستنزف الموارد بشكل غير قانوني، ما يضيف بُعدًا اجتماعيًا وإداريًا للأزمة‎.

تتجسد آثار التغير المناخي بشري المنشأ في الأردن من خلال مؤشرات بيئية صارخة تعكس حجم التدهور الحاصل، وتُظهر ‏ارتباطًا مباشرًا بين أزمة المياه وتدهور النظم البيئية الحيوية‎.

لقد شهد نهر الأردن، الذي كان على مدى آلاف السنين شريان الحياة الرئيسي للمنطقة، تدهورًا ‏هيدرولوجيًا غير مسبوق. فقد تراجع تدفقه السنوي إلى البحر الميت‎ ‎إلى أقل من 20 مليون متر مكعب، بعد أن ‏كان يصل تاريخيًا إلى نحو 1.3 مليار متر مكعب سنويًا. يمثل هذا الانخفاض الحاد انهيارًا هيدرولوجيًا كارثيًا‎ ‎تجاوزت نسبته 98%، وهو من أكبر الكوارث البيئية في المنطقة‏‎.

ولا تعود أسباب هذا التدهور الجذري إلى عوامل طبيعية كالجفاف أو تغير المناخ وحدهما، بل هي نتيجة مباشرة لتراكمات ‏بشرية وسياسية معقدة. فقد أسهمت شبكة كثيفة من البنى التحتية المائية ‎في أعالي النهر، إلى ‏جانب عقود من الإخفاقات الدبلوماسية‎ ‎التي كرست واقعًا غير عادل لتقاسم الموارد المائية، في ‏الوصول إلى هذا الوضع الحرج‎.

منذ عام 1964، أنشأت إسرائيل، بصفتها دولة منبع‎ (Upstream State) ‎على نهر الأردن الأعلى، "الناقل القطري ‎" (National ‎Water Carrier)‎، الذي حوّل الجزء الأكبر من مياه النهر إلى خارج الحوض، ما أدى إلى تقليص حاد في كمية المياه المتدفقة ‏إلى المصب. وفي المقابل، بنت سوريا ما يصل إلى 42 سدًا‎ على نهر اليرموك‎، وهو الرافد الأساسي ‏لنهر الأردن، متجاوزة بذلك الاتفاقيات الثنائية‎ الموقعة مع الأردن، إضافة إلى حفر آلاف الآبار غير ‏المرخصة‎ ‎التي تستحوذ فعليًا على كامل تدفق النهر تقريبًا‎.‎

هذا الواقع الهيدروبوليتيكي‎ (Hydropolitical Reality) ‎ وضع الأردن، كدولة مصب ‏‎(Downstream State)‎، أمام تحديات غير مسبوقة، إذ باتت بنيته التحتية المائية، مثل قناة الملك عبد الله‎، مضطرة للتعامل مع تدفقات مائية قليلة وغير منتظمة، ما يضع الأمن المائي الوطني‎ في حالة هشاشة دائمة ويجعل المملكة رهينة للسياسات المائية للدول الأعلى في الحوض‎‎.‎

لم تقتصر الأزمة الهيدروبوليتيكية‎ ‎في حوض نهر الأردن على النقص الحاد في الموارد ‏المائية، بل تسببت أيضًا في سلسلة كوارث بيئية واقتصادية عميقة ومتشابكة. فقد تحول نهر الأردن الأسفل‎ ‎ ‏‎(Lower Jordan River)‎، الذي كان يومًا ما شريانًا للحياة والتنوع البيولوجي في المنطقة، إلى قناة شبه ‏مغلقة لتصريف النفايات السائلة ‏‎(Wastewater Channel)‎، حيث تصب فيه مياه الصرف الصحي والجريان الزراعي ‏غير المعالج. وقد أدى هذا التحول إلى فقدان أكثر من 50% من التنوع البيولوجي‏‎ ‎في ‏المنطقة، وتدهور النظم البيئية النهرية الفريدة التي كانت تزخر بها ضفاف النهر‎.‎

أما البحر الميت‎، وهو ‏ المؤشر البيئي الأبرز على صحة الحوض المائي، فيشهد انحسارًا متسارعًا ‏بمعدل يتجاوز مترًا واحدًا سنويًا، وهو من أعلى معدلات الانحسار عالميًا‏. ويعزى ذلك إلى انخفاض تدفق نهر الأردن وارتفاع معدلات التبخر. وقد أدى هذا الواقع إلى ظهور آلاف الحفر الانهدامية (Sinkholes)، وهي ظاهرة جيولوجية معقدة ناجمة عن ذوبان طبقات الملح تحت السطح بفعل تسرب المياه العذبة. ولا حل عمليًا مستدامًا لها سوى إعادة تدفق كميات ضخمة من المياه العذبة إلى البحر، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل ‏الظروف السياسية والهيدرولوجية الراهنة، كما تشكل هذه الحفر تهديدًا مباشرًا للبنية التحتية والأنشطة الاقتصادية ‏والسياحية‎.

وتُعد واحة الأزرق، التي جفت تمامًا في عام 1992، دليلاً قاطعًا على حجم التدهور البيئي الذي يحدث في ظل غياب الإدارة المستدامة للموارد.

يُعد القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثرًا بتغير المناخ بشري المنشأ‏ ، فهو يستهلك أكثر من 51% من المياه العذبة في البلاد، ما يجعله خط الدفاع الأول والأكثر هشاشة في مواجهة الأزمة. وقد أدت الظروف المناخية القاسية إلى تراجع إنتاجية المحاصيل وزيادة تقلبات الإنتاج، مما يهدد الأمن الغذائي الوطني.

وعلى الرغم من أن مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي تبدو متواضعة، فإن أهميتها الاستراتيجية تتجاوز الأرقام. فقد ‏أظهر القطاع مرونة لافتة، إذ حقق أعلى معدل نمو بين جميع القطاعات الاقتصادية بنسبة 7.4% خلال الربع الأول من ‏عام 2023. كما ارتفعت الصادرات الزراعية في عام 2024 بنسبة 38% مقارنة بعام 2023، ما يؤكد دوره كقاطرة للنمو ‏الاقتصادي وداعم رئيس للميزان التجاري.

تضرر القطاع الزراعي‎ ‎بشكل بالغ نتيجة شح المياه وتراجع جودة الموارد المتاحة، ما أدى إلى انخفاض ‏إنتاجية المحاصيل وارتفاع تكاليف الإنتاج، وهدد الأمن الغذائي الوطني‎ ‎وزاد هشاشة ‏المجتمعات الريفية. وتشير التقديرات إلى أن الأزمة المائية قد تتسبب في خسائر سنوية تتراوح بين 20 و29 مليون دولار في ‏الناتج الزراعي‎، فضلًا عن فقدان فرص العمل وتراجع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.

على الصعيد الإنساني والاقتصادي، يتحمل الأردن عبئًا كبيرًا من هذه الأزمة، إذ يُعد من أكثر دول العالم شحًا في المياه، ‏حيث يقل نصيب الفرد السنوي من المياه المتجددة‎ ‎عن 100 متر مكعب. وينعكس هذا الواقع مباشرة ‏على حياة الأسر الأردنية، التي تعتمد في معظم المناطق على نظام تزويد متقطع للمياه‎ ‎لا ‏يتوفر في كثير من الأحيان إلا مرة واحدة أسبوعيًا. ونتيجة لذلك، تلجأ العديد من الأسر، خاصة ذات الدخل المحدود‎، إلى شراء المياه من الصهاريج الخاصة بأسعار مرتفعة، ما يشكل عبئًا اقتصاديًا غير متناسب ‏ويعمق مظاهر عدم العدالة الاجتماعية.

تخلق التداعيات المترابطة لتغير المناخ في الأردن "عاصفة كاملة" من التحديات، حيث يؤدي تراجع الهطول وارتفاع درجات ‏الحرارة إلى استنزاف المياه، فيتأثر القطاع الزراعي والبيئة، ويزداد الضغط على المجتمعات الريفية. هذا التفاعل المعقد بين ‏العوامل المناخية والاقتصادية والبيئية يرفع القضية إلى مرتبة الأمن القومي، ويبرر الحاجة إلى استجابة استراتيجية ‏متكاملة.

الاستجابة الاستراتيجية الأردنية: من صفقات المياه إلى التفكير المنظومي

في مواجهة هذه التحديات المتراكمة، اعتمد الأردن نهجًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد يجمع بين المشاريع الهندسية الضخمة ‏والإصلاحات المؤسسية والدبلوماسية البراغماتية. ولا تهدف هذه الاستجابة إلى الصمود في وجه الأزمة فحسب، بل إلى بناء ‏مرونة حقيقية ومستدامة.

يُعد مشروع الناقل الوطني، المعروف أيضًا بمشروع تحلية ونقل مياه العقبة–عمان، أكبر مشروع بنية تحتية مائية في تاريخ ‏المملكة، وهو حجر الزاوية في استراتيجية الأردن لمواجهة شح المياه المزمن. ووفقًا لأحدث البيانات، شهد عام 2025 تقدمًا ‏محوريًا، إذ تم توقيع عقد تنفيذه بنظام البناء والتشغيل ثم نقل الملكية‎ (BOT) ‎في 12 كانون الثاني (يناير) 2025 مع ائتلاف ‏شركات عالمي. وتُجرى حاليًا أعمال تحضيرية مكثفة، تشمل الدراسات الفنية ‏واختبارات التربة، ومن المتوقع استكمال الإغلاق المالي بنهاية عام 2025. وعند اكتماله، يُتوقع أن يوفر المشروع 300 مليون ‏متر مكعب من المياه المحلاة سنويًا.

يعكس هذا التقدم تحولًا استراتيجيًا جوهريًا في مقاربة الأردن للأمن المائي، إذ يضع أولوية لتعزيز مناعته الذاتية عبر ‏مشاريع سيادية تضمن مصادر مياه مستدامة وموثوقة بعيدًا عن تقلبات المشهد الجيوسياسي.

ولا تقتصر الاستجابة الأردنية على المشاريع الكبرى، بل تمتد إلى معالجة التحديات الهيكلية في القطاع. وتُعد نسبة المياه غير ‏المحتسبة ‎(NRW)‎، التي تبلغ نحو 50% من إجمالي الإمدادات، إحدى أبرز هذه التحديات. ولخفض هذه النسبة، يشارك ‏الأردن في "مشروع كفاءة قطاع المياه" المموّل من البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار. ووفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر ‏في نيسان (أبريل) 2025، فإن تنفيذ المشروع يسير ببطء، مع توقع تسارع وتيرة العمل في الأشهر المقبلة.

وفي إطار مواكبة التحول الرقمي، وقّع وزير المياه والري في 11 أيلول (سبتمبر) 2025 اتفاقية لتعزيز الأمن السيبراني في قطاع ‏المياه، بهدف حماية البيانات وضمان استمرارية العمليات في مواجهة التهديدات المتزايدة. ويعكس هذا الاهتمام بتأمين ‏البنية التحتية الرقمية إدراكًا متزايدًا لأهمية دمج الحلول التكنولوجية مع الإصلاحات المؤسسية‎.

يُعد القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثرًا بتقلبات المناخ، وتظهر البيانات الاقتصادية الحديثة حجم هذه الهشاشة. ‏فبينما وصل الناتج المحلي الإجمالي من الزراعة إلى أعلى مستوى تاريخي في الربع الأخير من عام 2024 مسجلًا 578.90 مليون ‏دينار أردني، انخفض بشكل كبير إلى 462.70 مليون دينار في الربع الأول من عام 2025‏.

ولمعالجة هذا التقلب، تبنى الأردن نهجاً مزدوجاً لبناء المرونة:

1. قانون صندوق التخفيف من المخاطر الزراعية: في خطوة مؤسسية بارزة، أُقرّ في 5 ‏آب (أغسطس) 2025 قانون صندوق التخفيف من المخاطر الزراعية بقرار من رئاسة الوزراء. ويهدف إلى توفير شبكة أمان مالية أكثر شمولًا واستجابة للمزارعين، خاصة ‏صغار المزارعين الذين ينتجون أكثر من 70% من المحاصيل في المملكة. ويتميز القانون بتوسيع نطاق تغطية ‏الصندوق لتجاوز أضرار الصقيع ليشمل طيفًا أوسع من المخاطر الزراعية، مع زيادة التعويضات للمزارعين غير ‏المشتركين لتصل إلى 25% من الخسائر المثبتة‏.

2. تسخير التكنولوجيا في الزراعة الذكية مناخياً: ‏ بالتوازي مع الإصلاحات المؤسسية، يشهد القطاع تحولًا تكنولوجيًا. ففي 23 حزيران (يونيو) 2025، انطلق ‏مشروع "تحديد خصوبة التربة للزراعة باستخدام صور الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي مع توفير المياه"، ‏بالتعاون بين جهات حكومية أردنية وشركة جروتك الأردنية وشركاء يابانيين.

شهد عام 2025 كذلك تحولًا في المقاربة الدبلوماسية للأردن تجاه قضايا المياه الإقليمية، من التركيز على ‏الصفقات السياسية المعقدة إلى تبني نهج براغماتي قائم على التعاون الفني لزيادة الموارد المتاحة. وفي هذا ‏السياق، توصل الأردن وسوريا في 4 آب (أغسطس) 2025 إلى اتفاق لتنفيذ مشروع مشترك "للاستمطار السحابي" ‏في حوض نهر اليرموك، في خطوة غير مسبوقة بعد عقود من الخلاف حول تقاسم المياه العابرة للحدود.

ريادة الأردن في عصر الأنثروبوسين من خلال التفكير المنظومي

المشاريع والإصلاحات التي شهدها الأردن في عامي 2024 و2025 ليست استجابات متفرقة، بل تجسيد عملي وواضح للتفكير ‏المنظومي ومنظور علم نظام الأرض. يتيح هذا الإطار التحليلي ربط كل مبادرة بما يليها لرسم صورة متكاملة لكيفية بناء ‏المرونة الشاملة. لا يفرض المقال هذا الإطار على القارئ، بل يقدّمه عبر تحليل الترابط بين المبادرات التي تبنتها الحكومة.

فمشروع الناقل الوطني ليس مجرد حل هندسي؛ بل هو استجابة استراتيجية لندرة المياه، ويعزّز استقلالية الأردن وسيادته ‏أمام التحديات الإقليمية. وفي الوقت نفسه، يمثّل خفض الفاقد المائي، الذي يبلغ 50%، حلاً إدارياً وتقنياً لرفع كفاءة ‏استخدام الموارد المتاحة، مما يقلّل الضغط على مشروع الناقل الوطني ويحافظ على المخزون الجوفي لمدة أطول. ويتكامل ‏هذا المسار مع قانون صندوق التخفيف من المخاطر الزراعية، الذي يعزّز المرونة الاجتماعية والاقتصادية للمزارعين ‏ويحميهم من تقلبات مناخية لا يمكن التحكم بها. هذه الحماية تشجّع الاستثمار في تقنيات مثل الزراعة الذكية، التي تزيد ‏بدورها من كفاءة استخدام المياه وتحدّ من الهدر.

وأخيراً، لا تقتصر اتفاقية الاستمطار السحابي على حل تقني، بل تقدّم نموذجاً جديداً للدبلوماسية المائية الإقليمية ‏يتجاوز صراعات الماضي ويحوّل التحديات المشتركة إلى فرص تعاون. هذا الترابط المنهجي بين الحلول الهندسية والإصلاحات ‏المؤسسية والابتكار التكنولوجي والدبلوماسية يثبت أن الأردن يعتمد بالفعل التفكير المنظومي في استجابته للتحديات ‏الوجودية لعصر الأنثروبوسين.

توصيات لتعزيز هذا النهج

لتعزيز هذه الاستراتيجية المتكاملة، يوصي بما يلي:

1. بناء نظام وطني للبيانات الزراعية: لا يزال غياب بيانات مفتوحة عالية الجودة يشكّل تحدياً حاسماً لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي والتحقق من ‏أدائها، وقد يحدّ من العائد على الاستثمار في التكنولوجيا. لذا ينبغي أن تكون الخطوة السياسية التالية صياغة ‏استراتيجية وطنية شاملة للبيانات الزراعية‎.‎

2. تفعيل دور المركز الوطني للبحوث الزراعية: ينبغي إعادة تعريف دور المركز من منفّذ للأبحاث إلى ميسّر ومنسّق لمنظومة وطنية للتكنولوجيا الزراعية تربط ‏الجامعات بالقطاع الخاص والمزارعين.

3. تسريع تنفيذ المشاريع: يجب الحفاظ على زخم العمل في المشاريع الكبرى مثل الناقل الوطني، ومعالجة أي تأخيرات تنفيذية في مشاريع ‏أخرى مثل خفض الفاقد المائي، وهي ضرورية لضمان الكفاءة.

وبذلك يضع الأردن نفسه في مصاف الدول الرائدة في التكيف مع التغيرات المناخية العالمية، مع الحفاظ على السيادة ‏الوطنية وتعزيز العدالة البيئية والاجتماعية للأجيال القادمة.

المصادر وقراءات إضافية

1. National Water Strategy 2023-2040

2. Contested flows: The power and politics of water in Jordan - LSE

3. Water, sanitation and hygiene | UNICEF Jordan

4. https://www.mwi.gov.jo/EBV4.0/Root_Storage/AR/EB_Ticker/National_Water_Strategy_2023-2040_Summary-Arabic_ver2.pdf

5. Xrox سياسة بناء المنعة لمواجهة أثر التغير المناخي على قطاع المياه

6. آبار مخالفة تستنزف المياه الجوفية في الأردن | إنفوغراف

7. https://www.sesric.org/Presentations/Water_Management_Symposium/Jordan/Jordan.pdf

8. Dead Sea Water Level - ICL

9. Scientists stunned by salt giants forming beneath the Dead Sea | ScienceDaily

10. Jordan - Environment and Water Sector

11. مشروع الناقل الوطني أولوية وضمان للأمن المائي

12. بعد رفضه مياه الاحتلال.. ما بدائل الأردن للتزوّد بالمياه النظيفة؟ | سياسة | الجزيرة نت

13. Aqaba–Amman Water Desalination and Conveyance Project - Wikipedia

14. الناقل الوطني.. الأردن يتحرك نحو استقلالية مائية وسط أزمة اللاجئين وفقر مائي متزايد

15. ‎ البنية التحتية للمياه في الأردن - Fanack Water

16. ‎الناقل الوطني.. اتفاقية لتمويل أولى خطوات المشروع...

17. Estimated 1.6 million People in Jordan to Benefit from New Project to Tackle Jordan’s Water Crisis and Build Climate Resilience

18. هي أسباب توقف المضخات الشمسية عن العمل؟ - هوبر

19. Jordan - Water Sector Efficiency Project (English)

مدار الساعة ـ