أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الخوالدة يكتب: أصحاب التصريحات النارية.. ضجيج بلا طحين


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: أصحاب التصريحات النارية.. ضجيج بلا طحين

مدار الساعة ـ

في كل مرة تهبُّ عاصفة إعلامية، يخرج علينا أصحاب "التصريحات النارية" كأنهم حماة القضايا وحملة الأمانة. يرفعون الصوت عاليًا، يتبارون في الشعارات، لكنهم سرعان ما يتوارون مع انطفاء وهج اللحظة، فلا يتركون أثرًا عمليًا يُذكر ولا فكرًا يُبنى عليه.

لقد أصبحت فلسطين والأردن ـ في خطاب هذه الفئة ـ مجرد شماعة يعلّقون عليها نزعاتهم الشعوبية ومصالحهم الضيقة. يتاجرون بالقضايا الكبرى ليصنعوا لأنفسهم حضورًا في المشهد، بينما الوطن بحاجة إلى من يبني لا من يزايد، وإلى من يقدّم حلولًا ورؤى لا من يملأ الأجواء بالضجيج.

إنّ خطورة هؤلاء ليست في قوة تأثيرهم، بل في تشويشهم على الرأي العام. كلماتهم تعيش أسبوعًا في الهواء، ثم تتلاشى تاركة وراءها حالة من الإحباط واللاجدوى. أما القضايا الوطنية والقومية فحياتها أطول بكثير، ومصيرها لا يُصنع بالمفرقعات الإعلامية بل بالعمل الجاد والفكر العميق.

والأدهى من ذلك أنّ هذه الفئة لا تكتفي بالضجيج، بل تُحاول أن تقتات على المشهد العام، متسلقةً على أكتاف الوطن لتجني مكاسبها الضيقة، حتى غدت كخلايا طفيلية تمتص الجهد وتترك الوهن. هنا لا بدّ من تشخيصٍ واضح لهذه الحالة، فالمشكلة لم تعد مجرد أصوات عالية، بل شبكة مصالح متنفعة تستغل الشعارات الكبرى لحسابها الصغير.

وهنا تبرز مسؤولية الدولة الرشيدة، التي يقع على عاتقها أن تميّز بين "أصحاب المشاريع" و"أصحاب التصريحات"، وأن تُبعد من يسعى للمتاجرة بالشعارات عن دوائر التأثير وصناعة القرار. فالمطلوب اليوم ليس تكميم الأفواه، بل استئصال هذه البؤر المتنفعة عبر عملية إصلاح كبرى، تحمي الرأي العام من التشويش وتحافظ على صلابة الجبهة الداخلية من أي شرخ محتمل.

وفي المقابل، ينبغي أن نبارك للذين يوقفون العقود غير الضرورية ويوجهون الاستثمار نحو ما هو أنفع وأبقى. فأن تخسر نصف مليون دينار في سبيل صناعة قدوة طيبة، خير بكثير من أن تكسب ملايين مقابل تشتيت البوصلة وإضعاف الثقة العامة. فالمجتمعات لا تنهض بالأرقام الجافة وحدها، بل بالقدوة التي تُلهم وتبني إنسانًا واعيًا ومسؤولًا.

إننا بحاجة إلى قرار عميق يضع الأمور في نصابها، ويعيد الاعتبار لأصحاب الفكر والمشاريع الحقيقية، بعيدًا عن أولئك الذين لا يجيدون سوى ركوب الموجة والتسلق على القضايا. فالأوطان لا تُبنى بالشعارات الجوفاء، بل بالوعي والعمل والمسؤولية.

مدار الساعة ـ