أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

رقابة القضاء على قرارات المحاكم الحزبية


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

رقابة القضاء على قرارات المحاكم الحزبية

أ. د. ليث كمال نصراوين
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

أصدرت المحكمة الإدارية قبل أيام حكمها برد الطعن المقدم من أحد النواب الحزبيين على قرار فصله من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه، حيث يثبت للنائب المفصول الحق بأن يطعن في هذا القرار إلى المحكمة الإدارية العليا وفق أحكام القانون، والتي ستفصل في النزاع بصورة نهائية وبحكم متكسب الدرجة القطعية.

إن هذا التوجه التشريعي القائم على إخضاع قرارات المحاكم الحزبية لرقابة القضاء يهدف إلى تحقيق التوازن بين استقلالية الحزب من جهة وضمان الحقوق الدستورية لأعضائه من جهة أخرى. الأحزاب السياسية، بوصفها ركائز للعمل الديمقراطي، تُنشئ محاكم أو لجان انضباط داخلية لفض النزاعات وفرض العقوبات، لكنها قد تتحول أحياناً إلى أدوات للإقصاء والتصفية الداخلية في غياب تنظيم قانوني محكم لعملها.

هنا يظهر دور القضاء كحارس للحقوق والحريات، ليتدخل عند الحاجة حمايةً لمبدأ المحاكمة العادلة من أي تجاوز محتمل. فالأساس القانوني لتدخل القضاء يرتكز إلى مبدأ سيادة القانون، الذي يفرض خضوع جميع الكيانات – بما فيها الأحزاب – للرقابة القانونية، إضافة إلى الحق الدستوري في اللجوء إلى المحاكم. فالرقابة القضائية لا تنتقص من استقلالية الحزب، بل تمنح قراراته الشرعية وتعزز الثقة في مؤسساته أمام الرأي العام.

وباستعراض الأنظمة القضائية المقارنة، نجد بأن تدخل القضاء للفصل في النزاعات الحزبية يعد أمرا ثابتا في المنظومة القانونية. ففي فرنسا، قضت محكمة باريس في عام 2024 بتعليق تنفيذ قرار فصل أحد أعضاء حزب الجمهوريين، بعدما تبيّن أن إجراءات الحزب جاءت مخالفة لنظامه الداخلي. وفي المغرب، تشير تقارير صحفية إلى أن المحكمة الإدارية بالرباط ألغت في عام 2022 قرار المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية بطرد مجموعة من أعضائه، معتبرة أن قرار الطرد شابه عيب في الإجراءات يمسّ حق الدفاع.

وفي بريطانيا، أرست قضية Evangelou v. McNicol في عام 2016 مبدأً قضائياً مهماً، إذ اعتبرت محكمة الاستئناف أن العلاقة بين العضو والحزب ذات طبيعة تعاقدية، وأن للقضاء صلاحية إلزام الحزب باحترام قواعده الداخلية متى مسّت قراراته حقوق الأعضاء. كما قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية ASLEF v. United Kingdom عام 2007 أن حرية التنظيم الحزبي تشمل حق الكيان في اختيار أعضائه، إلا أنه في المقابل يجب موازنتها مع حق الفرد في الانضمام إلى الأحزاب الوطنية ودوره في المشاركة السياسية.

إن الرقابة القضائية على قرارات المحاكم الحزبية لا تقتصر فقط على فحص سلامة الإجراءات الشكلية، بل تمتد لتشمل تقدير مدى التناسب بين المخالفة المنسوبة والعقوبة المقررة. فالقاضي الإداري قد يقر بشرعية قرار الفصل من حيث الاختصاص والإجراءات، لكنه قد يرى أن العقوبة المقررة مبالغ فيها أو لا تتناسب مع الفعل المنسوب، فيبطل القرار أو يعلّقه. هذه الرقابة المزدوجة – الشكلية والموضوعية – تضمن أن لا تتحول المحاكم الحزبية إلى أداة تعسف سياسي.

في الأردن، يكتسب هذا النقاش بعداً خاصاً مع تطبيق مخرجات التحديث السياسي وتخصيص مقاعد نيابية للأحزاب. فالنائب الحزبي لم يعد مجرد فرد مستقل بل بات ملزماً بخط حزبه السياسي، ما يجعل قرارات الفصل ذات أثر مباشر على تمثيله النيابي ومصيره في المجلس المنتخب. ومن هنا، فإن الرقابة القضائية التي تضطلع بها المحاكم الإدارية بدرجتيها تشمل البت في مشروعية تشكيل المحاكم الحزبية والضمانات التي تقدمها في مجال المحاكمة العادلة، كما تراقب أيضا مدى التناسب بين المخالفة المنسوبة والعقوبة المفروضة.

كما أن إخضاع المحاكم الحزبية للرقابة القضائية يسهم في تعزيز ثقة المواطنين بالعمل الحزبي ذاته. فحين يتيقن العضو أن قرارات حزبه قابلة للطعن أمام القضاء، فإنه يطمئن إلى أن حقوقه لن تكون رهناً بأهواء القيادة الحزبية وحدها، بل هناك جهة محايدة تراقب وتفصل. وهذه الضمانة قد تشجع على الانخراط الحزبي، وهو ما تسعى إليه الدولة الأردنية في إطار عملية التحديث السياسي وتوسيع قاعدة المشاركة.

ولا يقلّ أهمية عن ذلك أن اجتهادات القضاء الإداري الأردني ستتحول مع مرور الوقت إلى مرجعيات تُحتكم إليها ليس فقط في النزاعات الحزبية، وإنما أيضاً في تشكيل الثقافة السياسية الوطنية حول مفهوم الانضباط الحزبي وحدود السلطة الداخلية للأحزاب. فالقضاء هنا لا يحلّ نزاعاً فردياً فحسب، بل يرسخ قواعد عامة قابلة للتطبيق في كل المنازعات اللاحقة.

إن الحكم المنتظر من المحكمة الإدارية العليا سيكون محطة قضائية ودستورية فاصلة، إذ قد يرسخ مبادئ قضائية جديدة حول عمل المحاكم الحزبية وضمان حقوق الأعضاء أمامها. فالاجتهادات القضائية في هذا السياق ستشكل نبراساً للعدالة وخارطة عمل للأحزاب السياسية الأردنية الأخرى، والتي يسارع البعض منها في إيقاع عقوبة الفصل دون مراعاة مبدأ التدرج في العقوبات الحزبية. فالأحزاب هي جزء أصيل في منظومة التحديث السياسي، ويتعين عليها أن تعمل على أن توازن بين استقلاليتها كتنظيمات سياسية، وحق الأفراد في المشاركة السياسية دون خوف من تعسف أو إقصاء.

* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ