أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: من رهبة الخوف إلى رحابة التربية


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: من رهبة الخوف إلى رحابة التربية

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

في قاعة الصف، حيث تتقاطع نظرات المعلم مع عيونٍ صغيرة تبحث عن الأمان والمعرفة، يتجدّد السؤال القديم: هل يُصلح العقاب ما أفسده السلوك؟ أم أنه يترك ندبة خفيّة في أعماق الطفل، لا يمحوها الزمن؟

التربية ليست سوطاً يجلد، ولا عقاباً يردع فحسب، بل هي فنّ تهذيب النفوس وزرع القيم. إن كلمة رقيقة قد تغيّر مسار طالب، وابتسامة مشجّعة قد تفتح أمامه طريق الحلم. ولعلّ أجمل ما نستشهد به في هذا المقام قول الله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، فهي آية تختصر فلسفة التربية كلها؛ بالرحمة واللين لا بالعنف والشدة.

لكنّ الحقيقة التي لا ينكرها التربويون أن الصف يحتاج إلى نظام، والمعلم محتاج إلى هيبة. فالعطف إذا تجرد من الحزم قد يُغري البعض بالاستهانة، والحرية إذا تُركت بلا ضابط قد تنقلب إلى فوضى. وهنا يظهر الجدل: كيف نوازن بين الحزم والرحمة؟ بين العقاب الذي يردع، والتربية التي تحتضن؟

العقاب الجسدي والنفسي لم يعد مقبولاً في عصر يؤمن بحقوق الطفل ونموّه المتكامل. غير أن البديل ليس التسيّب، بل هو العقاب التربوي البنّاء: أن نوجّه الطالب إلى إصلاح خطئه، أو نحرمه مؤقتاً من امتياز يحبه، أو نكلّفه بعمل نافع يعيد إليه الشعور بالمسؤولية. فهكذا يتحول العقاب من كسرٍ للروح إلى بناء للشخصية.

المعلم الحقّ هو الذي يُخيف طلابه من خذلان قيمه، لا من قسوة يده، وهو الذي يزرع فيهم الاحترام لا رهبة الخوف. فإن غاب شعروا بفراغ حضوره، وإن حضر شعروا بطمأنينة العلم في كلماته.

إن العقاب قد يوقف خطأً لبرهة، لكن التربية الرحيمة تغيّر الإنسان بأسره. وما أحوج مدارسنا اليوم إلى هذا المزج الدقيق بين هيبة تُعلّم، ورحمة تُهذّب، وحكمة تجعل من الصف حديقةً تُثمر قلوباً نقيّة وعقولاً ناضجة.

مدار الساعة ـ