أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: التعلم لا ينتهي عند جرس الحصة.. دور الواجبات اليومية في صقل الطالب


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: التعلم لا ينتهي عند جرس الحصة.. دور الواجبات اليومية في صقل الطالب

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

حين يرن جرس الحصة ويغادر الطلاب مقاعدهم، يظن البعض أن رحلة التعلم قد انتهت، لكن الحقيقة أن ما بعد الدرس هو البداية الحقيقية. فالواجبات اليومية ليست مجرد أوراق مكتوبة، بل هي مساحة للتأمل، وإعادة ترتيب الأفكار، وصقل مهارات الطالب ليصبح أكثر وعيًا ومسؤولية. إنها الجسر الذي يربط ما بين لحظة التلقي داخل الصف وتجربة التعلّم المستمرة خارجه.

في عالم الصفوف الدراسية، حيث تتلاقى عيون المعلم مع فضول الطلاب، يبقى السؤال مطروحاً: كيف يمكن للطالب أن يستوعب ما يُقدّم له داخل الحصة؟ كيف نجعل التعلم تجربة مستمرة، لا تتوقف عند جرس نهاية الدرس؟ الجواب يكمن في الواجبات اليومية، تلك اللحظات الصغيرة بعد الصف التي تمنح الطالب فرصة لمراجعة ما تعلمه، وفهمه بعمق، وربطه بالمعرفة السابقة.

الواجبات ليست مجرد أوراق يكتب فيها الطالب إجابات، بل هي أداة تهذيب للنفس وفرصة لتنظيم العقل. حين يجلس الطالب ليكمل واجبه، يتعلم الصبر والانضباط، ويصبح واعياً لأهمية الوقت، مدركاً أن التعلم مسؤولية شخصية لا تنتهي مع انتهاء الحصة الدراسية. وهنا يظهر دور المعلم كمرشد، يزرع في الطالب حب التعلم ويعطيه أدوات الاستمرار، دون أن يكون العبء مجرد ضغط نفسي أو إرهاق جسدي.

إن القرآن الكريم يبيّن أهمية التعلم والمثابرة على طلب العلم، فقال تعالى:

﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]،

فهذا الدعاء يعكس روح السعي المستمر وراء المعرفة، والواجبات اليومية تعكس هذا السعي العملي لدى الطالب. كما أمر الله بالقراءة والمراجعة فقال:

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:1]،

فتطبيق ما تعلمه الطالب ومراجعته عبر الواجبات اليومية هو ترجمة حية لهذا التوجيه الإلهي.

كما ورد في السنة النبوية توجيه واضح نحو طلب العلم والاجتهاد المستمر، عن الرسول ﷺ:

“طلب العلم فريضة على كل مسلم”،

وفي حديث آخر: “من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة”،

وهذه النصوص تذكّرنا أن المسار التعليمي، بما فيه من واجبات ومراجعات يومية، هو تدريب عملي على الاجتهاد والمثابرة، وغرس للوعي والمسؤولية الذاتية في نفوس الطلاب.

ربما يرى البعض أن الواجبات تُثقل كاهل الطفل، لكن الواقع أن التعلم بدون ممارسة ومراجعة يظل هشاً، سريع الزوال. إن الواجب اليومي يجعل الطالب يعيش المادة، يفكر فيها، ويعيد ترتيب معلوماته بوعي. يصبح المتعلم حينها منظماً، قادراً على استيعاب المعلومات الجديدة، ومجهزاً لتحديات التعليم المستمر.

ومن منظور تربوي، الواجبات اليومية تتيح للمعلم أيضاً معرفة مستوى كل طالب، وتساعده على توجيه دعمه بدقة، فلا يُترك أي طالب دون متابعة. إنها حلقة متكاملة تربط بين التعلم داخل الصف وتطبيقه خارج الصف، وتخلق جواً من المسؤولية الذاتية، حيث يصبح الطالب شريكاً في عملية التعليم وليس مجرد متلقٍ سلبي.

إن الواجبات اليومية، حين تُدار بحكمة، تتحول إلى روتين داعم للنمو الشخصي والفكري للطالب، تُغذي وعيه، تنظم وقته، وتبني قدراته على التعلم المستمر. إنها ليست مجرد واجب، بل تجربة حياة صغيرة، تعلم الطفل أن التعلم رحلة مستمرة، وأن النجاح الحقيقي يتطلب وعيه ومشاركته الفعّالة.

إن الواجبات اليومية، حين تُقدَّم بروح تربوية واعية، لا تكون عبئًا على الطالب بل وسيلة لتوسيع مداركه، وتنظيم وقته، وتعزيز قدرته على التعلم الذاتي. فهي ليست مجرد مهمة تُؤدّى، بل خطوة ثابتة في طريق بناء شخصية متوازنة، قادرة على مواجهة تحديات المستقبل. وهكذا ندرك أن التعلم لا ينتهي عند جرس الحصة، بل يمتد ليشكّل أسلوب حياة، يرافق الطالب في كل مراحل نموه.

مدار الساعة ـ