أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

أبو تايه يكتب: العرب بين حرب الإبادة وحرب الإرادة


الدكتور فواز أبو تايه

أبو تايه يكتب: العرب بين حرب الإبادة وحرب الإرادة

مدار الساعة ـ

لم يعد ما يجري في منطقتنا شأنا محليا أو نزاعا عابرا يمكن تأجيله أو تسويته بتنازلات شكلية نحن أمام مشروع إبادة منظم يتغير مساراته من القصف والتهجير المباشر إلى محاولات طمس الذاكرة والهوية والتفريط في الأرض عبر ترتيبات سياسية واقتصادية محكمة وفي مقابل ذلك تخوض الشعوب حرب إرادة عنيفة إرادة تصر على البقاء ورفض الإستسلام وإعادة رسم الوجود بعنف الإرادة لا برخص الكلام وخطابات القوالب الجاهزة.

أنها حرب إبادة ومشروع اقتلاع الأمةفالمعركة اليوم تتخذ أبعادا متعددة قصف مدن حصار وتجويع إضعاف مؤسسات وهوية وإستعمال الأدوات الدبلوماسية والإعلامية لشرعنة عملية الاقتلاع كل ذلك يجري تحت أعين المجتمع الدولي الذي يتماهى أحيانا مع روايات تحمل الضحية تبعات وجودها التقارير الدولية الحديثة تشير بوضوح إلى سياسات تغير من واقع الجغرافيا على الأرض وتفتح الباب أمام جرعات من التهجير والتفريغ .

لكنها حرب الإرادة فالشعوب تفرض نفسها على التاريخ لكن لا يجب التقليل من عامل الإرادة فالفلسطيني الذي لا يركع رغم الحصار والمجتمعات العربية التي ترفض التطبيع الخرساني والنخب المثقفة التي تعيد إنتاج الذاكرة كل هؤلاء أصبحوا عاملا ميدانيا ونفسيا يعيد تشكيل الحسابات فحركات التضامن الدولية والوقفات الشعبية في أمكنة عدة والجهود المدنية لكسر الحصار تظهر أن للمعادلة عاملا شعبيا دوليا لم يعد بالإمكان تجاوزه مثال ذلك محاولات أساطيل المساعدة والتحركات التضامنية التي كشفت حساسية الملف عالميا وأبعاده الإنسانية في العالم الحر .

وهم السلام وسقوط حل الدولتين وبما سمي "خيار الدولتين" أصبح على أرض الواقع سلوانا لدبلوماسيين عاجزين فهو لم ينتج دولة فلسطينية قابلة للحياة بل أنتج حالة فصل دائم وتدريجي لإجراءات فرض الوقائع أي إستمرار بالتمسك بهذا الوهم يعني في الواقع تمديد عمر الاحتلال ومنحه غطاء مزيفا في المقابل يقابله الإنهيار السريع لمؤسسات فلسطينية وشرعياتها أعطى طابعا من الفراغ السياسي الذي إستغلته سياسات التمدد الاستيطاني والعسكري وجاء نتاجه بأننا أمام شركة تسير الأعمال وليس دولة.

إنها غزة نقطة تحول في الخريطة الإقليمية والدولية غزة التي لم تعد "بطاقة محلية" أو مسألة إنسانية محدودة إنها أصبحت معيارا دوليا لقياس إزدواجية المعايير وفعاليات الحسم الأخلاقي والسياسي عالميا فما شهدته غزة من دمار وهبة شعبية دولية وفضائح إعلامية وإنشقاقات في مواقف دول وشعوب أثبت أن الساحة الفلسطينية قادرة على فرض إعادة قراءة للقوى والتحالفات وأن الرواية الإسرائيلية فقدت الكثير من قوتها الأخلاقية والدبلوماسية أمام أعين العالم إستطلاعات الرأي الدولية تظهر اتجاها واسعا نحو السلبية تجاه سياسات القيادة الإسرائيلية الحالية التي دمرت دولتهم من الداخل .

الأردن بين الضغط والخيارات وسط توسع البعد الاقتصادي والإجتماعي في الواقع الأردني الذي على تماس مباشر مع هذه المتغيرات وإشتداد الضغوط لا يعود فقط إلى البعد السياسي أو الأمني بل يمتد إلى البعد الإقتصادي والإجتماعي مثالها تراجع السياحة تأثر الإستثمارات تباطؤ النمو والإحتقان الشعبي أمام أعباء معيشية متصاعدة وفي ظل ضعف الشرعية الفلسطينية وتآكل دور السلطة فإن الأردن يتحمل عبء فراغ سياسي يلقي عليه مسؤوليات إضافية سواء بضغط اللأجئين أو بمطالب شعبية إيطارها الجامع النقد من قرارات ينظر إليها على أنها إنعطاف أو تواطؤ رغم أن هناك من قرع جرس الخطر من المؤسسات الدولية والإقليمية تنبه إلى هشاشة المشهد وتأثيره على الإستقرار الأردني

السؤال الذي يطرح نفسه كيف يستغل الأردن اللحظة التاريخية لصالحه وصالح الأمة بحلول عملية قابله للتطبيق إن الأردن أمام فرصة تاريخية إن أحسن إستغلالها لتقوية موقعه الداخلي والإقليمي وتحويل الضغط إلى ورقة قوة أختصرها بما يلي :---

---- إطلاق مشروع وطني للتماسك الداخلي حزمة إصلاحات إقتصادية وإجتماعية سريعة تخفف من وطأة الأزمة على الفئات الأعرض مع خارطة طريق سياسية تدريجية لردم الهوة بين الدولة والمجتمع يجب أن تكون الإصلاحات ذات أثر ملموس على دخل المواطن والخدمات الأساسية في حياته اليومية .

---- إعادة تعريف الدور الأردني في القضية الفلسطينية بحيث يتم الإنتقال من دور إداري/ رعائي إلى دور داعم لمقاومة الإحتلال من الناحية السياسية والدبلوماسية والإنسانية دعم واضح لثوابت الشعب الفلسطيني ورفض لأي ترتيبات تصفي القضية هذا يمنح الأردن شرعية شعبية ويخفف من الإتهامات بالإنفصال عن القضية الفلسطينية نحن الطوق والمصير المشترك

---- تحويل الضغوط لعمل دبلوماسي فعال ربط العلاقات الدولية بمبادرات إنسانية ومحاور إقليمية جديدة تبرز موقف الأردن كراعي لمصالح شعبية عربية وإستثمار موقعه الجغرافي في مبادرات إغاثية وإعادة إعمار تبقيه في مركز القرار الإقليمي.

---- شبكات آمان اقتصادية إقليمية من خلال تفعيل شراكات إقتصادية مع دول الجوار والشركاء الدوليين لتأمين سلاسل إمداد سياحية وإستثمارات بديلة قصيرة ومتوسطة الأمد تقلل الإعتماد على مصادر غير مستقرة لأن المتغيرات سريعة .

----- خط داخلي وثيق مع الفصائل الفلسطينية مراعاة أن غياب شرعية تمثيلية عميقة للسلطة يعني ضرورة فتح قنوات تواصل مباشرة مع مكونات فلسطينية متنوعة لتهيئة أرضية سياسية أكثر واقعية لوضع مشروع وطني جامع لتلك الفصائل الفلسطينية فلم يعد هناك ممثلا شرعيا وإنما رحلة البحث الحقيقية لمشروع فلسطيني جامع وفي خارطة طريق جامعة توحد الدم الفلسطيني وتضحيات جيل بعد جيل فهذا شعب يستحق الحياة مبادرة سلام حقيقية بشروط عادلة لا رهان فيها على السلام الوهمي بل رهان على مبادرة تبنى على شروط وطنية عربية تقطع الطريق أمام أي مشاريع يستغل الفراغ الفلسطيني القائم حاليا .

إستغلال اللحظة التاريخية الآن هي وقت الحسم لأن الرواية الإسرائيلية باتت تعيش عزلة دولية وشعبية غير مسبوقة إحتجاجات عالمية تصاعد إنتقادات من منظمات حقوقية وصعود لهجة دولية تتساءل عن شرعية السياسات المتبعةهذه الإشتباكات الأخلاقية والسياسية فتحت نافذة تاريخية يمكن للعرب أن يستثمروا فيها سياسيا ودبلوماسيا — ليس عبر التفريط في الثوابت بل عبر بناء تحالفات جديدة ودعم مبادرات محكمة تضعف من قوة المحتل على الساحة الدولية وتستعيد المبادرة العربية تقارير وإستطلاعات دولية بينت إتجاها متزايدا لصالح نقد أوسع للخيارات الإسرائيلية الحالية وهذا ما يجعل اللحظة قابلة للإستخدام إذا توافقت الإرادة السياسية مع نبض الشارع .

خاتما الخيار بين الإبادة والنهضة هي المعادلة المطروحة أمام العرب والقيادة الأردنية واضحة إما أن نستسلم لإستراتيجيات الإبادة والتجزئة أو أن نختار طريق الإرادة والعمل المنظم لإنتشال الأمة من مقصلة التهميش وملف التهجير غزة أثبتت أن الإرادة الشعبية يمكن أن تحرك موازين القوى وأن الروايات التي تستند إلى العنف والتهجير لن تصمد أمام ضغوط الضمير العالمي والإرادة المحلية على الأردن أن يحول ضغوط الفراغ الفلسطيني إلى قوة منسقة تخدم القضية الأردنية والعربية معا بدلا من أن يتحول لساحة لإمتصاص نتائج الإنهيار الحتمي للشرعيات التاريخية فالفرق شاسع بين الثورة والدولة لأن التناقض والتصادم حتمي بين مشروعين ليكون بداية للمشروع الفلسطيني بين فصائله فالشعب الفلسطيني يستحق فرصة جديدة .

مدار الساعة ـ