أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزيود يكتب: الاستعمار الحديث


د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم

الزيود يكتب: الاستعمار الحديث

د. خلف ياسين الزيود
د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم
مدار الساعة ـ

حين نسمع كلمة "استعمار"، يتبادر تقليدياً إلى الذهن البشري أن الجيوش المدججة قادمة من كل صوب ونحب، والسفن المحمّلة بالجنود والبنادق وانها جاءت للسيطرة المباشرة على الأرض والموارد، لكن العالم اليوم لم يعد بحاجة إلى هذا الشكل من الاحتلال، فالدول الكبرى طورت أساليبها وصارت تمارس استعماراً جديداً بوسائل أكثر نعومة وأدوات أكثر خطورة مثل المال، السياسة، الإعلام، والاقتصاد، من هنا يمكن قراءة خطة الرئيس دونالد ترامب التي طرحها لحل قضية غزة وفلسطين، هذه الخطة ليست مشروع سلام كما يزعم أنصاره، بل هي شكل من أشكال الاستعمار الحديث الذي يرتدي ثوب التنمية والاستقرار بينما يخبئ في داخله إخضاعا للشعوب وتصفية لحقوقها.

هنا اذا جاز لنا أن نعود إلى الخلف قليلًا نرى الاستعمار القديم كان يقوم على الاحتلال المباشر، فرنسا في الجزائر، بريطانيا في الهند وفلسطين، إيطاليا في ليبيا… إلخ. كان الهدف واضح السيطرة على الأرض والموارد واستعباد الشعوب، ولكن مع حركات التحرر الوطني في منتصف القرن العشرين، انسحبت معظم هذه القوى، لكن الانسحاب لم يكن نهاية الاستعمار بل تحوله، فبدل أن تدير الدول الاستعمارية الأرض بشكل مباشر، صارت تديرها من بعيد عبر وكلاء محليين، اتفاقيات اقتصادية، ديون دولية، ومشاريع سياسية تُفرض على الشعوب فهذه المرحلة هي ما يسميه الباحثون "الاستعمار الحديث" أو "الاستعمار الجديد".

خطة ترامب التي رُوج لها على أنها "خطة سلام" أو "حل تاريخي" تحمل في جوهرها سمات الاستعمار الحديث فهي لا تعالج جذور القضية الفلسطينية، ولا تعترف بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، بل تسعى إلى إعادة صياغة المنطقة بما يضمن تفوق إسرائيل ويكرس الهيمنة الأمريكية، بدليل انه تم إعادة تعريف غزة ليس كجزء من فلسطين التاريخية، بل ككيان منفصل يُعاد تشكيله وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، وكذلك إضعاف المقاومة عبر تصويرها كعقبة أمام التنمية والإعمار، وبالتالي جعل الفلسطيني في حالة اختيار اجباري بين لقمة العيش أو الدفاع عن أرضه وتحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وحقوق إلى مجرد "مشكلة إنسانية" تحتاج إلى مساعدات مالية ومشاريع اقتصادية.

الاستعمار القديم كان ينهب الموارد بالقوة، أما الاستعمار الحديث فيُحكم قبضته من خلال الاقتصاد، الخطة تعد الفلسطينيين بمشاريع إعمار ومليارات من الدولارات، لكنها أموال مشروطة سياسيا أي أن قبول الفلسطيني بالتمويل يعني ضمنيا التخلي عن بعض حقوقه أو القبول بالوصاية الدولية.

الخطة تصف نفسها بأنها مشروع "سلام وازدهار". لكن هذا السلام ليس إلا استسلاما مشروطا، وهذا الازدهار مشروط بالتبعية، وهذه المصطلحات هي خدع للرأي العام ويصور الاستعمار كفرصة ذهبية. وهنا يتم تحويل المقاومة إلى عائق، والحقوق إلى ملفات ثانوية، وإلى تهميش الهوية الوطنية الفلسطينية وإضعاف التمسك بها وهنا يصبح الفلسطيني مجرد فرد يبحث عن وظيفة أو بيت، لا مواطنا صاحب قضية وارض ووطن، ويبقى القرار السياسي الفلسطيني مرهوناً بالعواصم الكبرى، الإعمار والتمويل بيد أمريكا وحلفائها، والأمن بيد إسرائيل، والسياسة محاصرة بالفيتو الدولي.

وكذلك لا يمكن النظر إلى الخطة بمعزل عن السياق الإقليمي فهي ليست مجرد مشروع لغزة أو فلسطين، بل هي جزء من إعادة تشكيل المنطقة، عبر الضغط على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتقديم ذلك على أنه شرط للتنمية والاستقرار، الى جانب إضعاف العمق العربي للقضية الفلسطينية، بحيث تصبح القضية محصورة في الجغرافيا الفلسطينية، بلا سند عربي أو إسلامي.

قانونياً لا يجوز لدولة ان تنصب نفسها رئيساً لمجلس سلام لا يعلم عنه العالم ولا الدول المعنية بالسلام، وان كانت اميركا راعية سلام لما لا تحقق السلام في أوكرانيا وغيرها من النزاعات.

مدار الساعة ـ