أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

التل يكتب: الصفقة الشيطانية.. كيف يبيع ترامب دماء الغزيين بشروط نتنياهو


د. مصطفى التل

التل يكتب: الصفقة الشيطانية.. كيف يبيع ترامب دماء الغزيين بشروط نتنياهو

مدار الساعة ـ

في مشهدٍ يُجسّد اختلال موازين القوة بشكلٍ صارخ، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته لإنهاء الحرب على غزة، وهي خطةٌ من عشرين بنداً تبدو وكأنها صيغت بلغة نتنياهو وترجمة مباشرة لشروطه.

بدلاً من أن تكون وسيلة لتحقيق سلام عادل، جاءت الخطة كأداة لترجمة التفوق العسكري الإسرائيلي إلى مكاسب سياسية دائمة، تمنح إسرائيل كل ما تريد مقابل وعودٍ غامضة وآمالٍ معسولة.

قلب الموازين: من العزلة إلى عزل المقاومة

سعى ترامب ونتنياهو من خلال المؤتمر الصحافي المشترك إلى قلب الطاولة على حماس والفلسطينيين. فبينما كانت إسرائيل تواجه ضغوطاً دولية متزايدة بسبب استمرار الحرب وارتفاع عدد الضحايا، جاءت الخطة لتعكس المعادلة: الآن، حماس هي من توضع في زاوية العزلة، وفق الترويج الإسرائيلي.

الخطة لا تكتفي بتحقيق الهدف الإسرائيلي المعلن الأول – تحرير الأسرى خلال 72 ساعة – بل تتعداه إلى أهداف أبعد بكثير، أهمها "نزع سلاح حماس" مع الإبقاء على سيطرة إسرائيل الأمنية الكاملة على القطاع، واحتفاظ الجيش الإسرائيلي بمواقعه حول غزة بما فيها محور صلاح الدين الحساس.

البنود المسمومة: وقف لإطلاق النار مقابل تنازلات مصيرية

للوهلة الأولى، قد تبدو الخطة معقولة؛ فهي توقف نزيف الدماء فوراً وتفتح الباب أمام دخول المساعدات الإنسانية بشكل واسع، مما ينهي المعاناة اليومية لمئات الآلاف من المدنيين. كما أنها، بحسب نصها، تحبط مشاريع التهجير والاستيطان التي يتبناها اليمين المتطرف في إسرائيل.

لكن الغوص في التفاصيل يكشف بنوداً تسمّم هذا "الهدنة". فانسحاب الجيش الإسرائيلي سيكون "تدريجياً ومشروطاً" بنزع سلاح المقاومة، وهي عملية غامضة وشبه مستحيلة في الظروف الحالية.

والأخطر، أن إدارة القطاع ستُنتزع من أيدي الفلسطينيين لتصبح تحت وصاية "مجلس السلام" برئاسة ترامب نفسه، وعملياً بقيادة توني بلير، في سيناريو يُذكر بـ"الانتداب الجديد". أما الشؤون اليومية، فستُدار من قبل "تكنوقراط" مستقلين، أي حكومة غير سياسية ومنزوعة الإرادة الوطنية.

التناقض الصارخ: بين خطاب السلام وواقع الرفض

اللافت في الخطة هو تناقضها الداخلي والصريح مع التصريحات الإسرائيلية. فبينما تتحدث عن "أفق سياسي" للفلسطينيين و"حق تقرير المصير"، نرى نتنياهو يصرح صباح اليوم التالي مباشرة بأنه "لن يقبل بإقامة دولة فلسطينية" ويؤكد أن الخطة "لا تلزم إسرائيل بالانسحاب الكامل", بل إن ترامب نفسه عبر عن "تفهمه" لموقف نتنياهو، معتبراً رفض الدولة الفلسطينية "ضرورياً لأمن إسرائيل".

هذا التناقض ليس بريئاً, فهو يهدف إلى إرضاء المجتمع الدولي والعربي بخطاب فضفاض عن السلام، مع استمرار تنفيذ الأجندة الإسرائيلية على الأرض.

الخياران المرّان: استمرار المذبحة أو الاستسلام بشروط

تضع الخطة حركة حماس، والقوى الفلسطينية عموماً، أمام خيارين كليهما مرّ:

الخيار الأول هو الرفض، وهو ما يعني استمرار الحرب بكل ما تحمله من دمار وموت للمدنيين، مع تحميل حماس مسؤولية استمرار المعاناة.

الخيار الثاني هو القبول، وهو قبول بشروط إسرائيلية أمريكية صرفة، يعني نزع السلاح – وهو عصبة المقاومة – وتسليم إدارة القطاع لجهة دولية، والرضا بسيطرة أمنية إسرائيلية دائمة، كل ذلك مقابل وقف الحرب.

هذا الخيار المحفوف بالمخاطر يأتي في سياق ضغوط هائلة: نزيف غزة المستمر منذ أشهر، المشهد السياسي الفلسطيني المنقسم، والمباركة العربية الرسمية الواضحة للخطة، والتي قد تحرم حماس من غطاء إقليمي في حال الرفض.

السراب الحقيقي: وعود بلا ضمانات

في النهاية، تشبه خطة ترامب "السراب" الحقيقي. فجميع البنود التي قد تُعتبر إيجابية للفلسطينيين – مثل وقف الحرب وإدخال المساعدات وبدء إعادة الإعمار – هي عمليات عاجلة وقابلة للعكس.

بينما البنود التي تخدم إسرائيل – كتحرير الأسرى ونزع السلاح والسيطرة الأمنية – هي بنود فورية وملموسة ومستديمة. إنها صفقة تحقق المكاسب المادية والسياسية المباشرة لإسرائيل، مقابل وعود مستقبلية للفلسطينيين بلا ضمانات أو آليات تنفيذ واضحة.

هذا هو واقع الخطة المفخخ: إنها توقف القتل اليومي مؤقتاً، لكنها تفتح باباً لاستمرار الاحتواء والسيطرة، وتقدّم حلولاً تقنية لمشكلة سياسية، متجاهلة الجوهر الحقيقي للقضية: إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بحرية وكرامة.

مدار الساعة ـ