أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

السعودي يكتب عن عبيدات: طبيبُ الصَّدريةِ العاشقُ للُّغةِ العربيّةِ

مدار الساعة,أخبار الجامعات الأردنية,ولي العهد,الحسين بن عبدالله الثاني,الجامعة الأردنية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب إسماعيل السّعودي -

حين نتأمل سيرة الأستاذِ الدّكتور نذير عبيدات، رئيسِ الجامعةِ الأردنيّة، فإنّنا لا نقرأ فقط في دفاترِ طبيبٍ مرموقٍ في مجالِ الأمراضِ الصَّدرية، بل نقرأ في سيرةِ عاشقٍ للُّغةِ العربيّة، منحها من قلبِه وفكرِه ما يفوق التوقّعات. هذا الطبيبُ الذي خبر تفاصيلَ الرئةِ والهواء، التفت بحسِّه المرهف إلى لغةِ الضّاد، فرأى فيها رئةَ الأمّةِ ووسيلةَ بقائها، ورمزَ هُويتها، فوقف مدافعًا عنها بصلابةٍ لا تقلّ عن صلابته في مواجهةِ الأمراض.

لا يُخفي الدكتور نذير عبيدات شغفَه باللُّغةِ العربيّة؛ فهو لا يحبّ أن يَلحنَ فيها، ويكره أن يسمعَ لحنًا من غيره، وكأنَّ العربيّةَ في أذنِه نغمةٌ موسيقيّةٌ لا تحتمل الخلل. لذلك لم يكن غريبًا أن ينعكسَ هذا العشق في سياساته الأكاديميّة والإداريّة، وهو يقود أعرقَ الجامعاتِ الأردنيّة.

من أبرز قراراته التي تظهرُ حرصَه على العربيّة أن يدرسَ الطالبُ مستويين في اللُّغةِ العربيّة، لا مستوى واحدًا، في جميعِ التخصّصات. لقد أراد بذلك أن يرفع سقفَ الوعيِ اللغويّ لدى طلبةِ الجامعة، وأن يُتيحَ لهم مساحاتٍ أوسع للإبداعِ في التّعبيرِ بالعربيّة، بدلَ الاكتفاءِ بالحدِّ الأدنى من المعرفة. فالتّعليم عنده ليس مجرّدَ جدرانٍ ومبانٍ تُشيَّد، بل هو مشروع "تحديث المباني والمعاني" معًا، والمعنى عنده يبدأ من اللّغة، لأنهّا أصلُ الفكرِ ومرآةُ الهُويّة.

في زمنٍ تتعالى فيه أصواتٌ تدعو إلى تهميشِ العربيّة، وتقليصِ حضورها في الخططِ الدّراسيّة، يقف الدكتور عبيدات سدًّا منيعًا في وجهِ تلك الأصوات؛ لأنّه يؤمن أنَّ اللُّغةَ العربيّة ليست مادةً هامشيةً تُضاف كيفما اتّفق، بل هي لبنةٌ أساسيّةٌ في تكوينِ الطّالبِ الجامعيّ، مهما كان تخصّصه. موقفُه هذا ينسجم مع قانونِ حمايةِ اللُّغةِ العربيّة، ومع المبادراتِ الوطنيّةِ الّتي يرعاها وليُّ العهدِ سموُّ الأميرِ الحسين بن عبدِالله الثاني، وعلى رأسها مبادرة "ضادّ" الّتي تهتمّ بالعربيّة وتعمل على تمكينِ الشّبابِ منها.

في اعتقادي أنّ الدّكتور نذير يرى أنَّ الكلياتِ العلميةَ أشدُّ حاجةً لتعلّمِ العربيّة؛ لأنّ الطالبَ هناك معتادٌ على المصطلحِ الأجنبيّ أكثر من قدرتِه على التّعبيرِ بلغته الأمّ. في المقابل، تحتاج الكلياتُ الإنسانيّةُ مساحةً أكبر لتعلّمِ الإنجليزيّة، حتّى يتمكّن طلبتُها من مواكبةِ الإنتاجِ المعرفيّ العالميّ والانفتاحِ على أحدثِ الأبحاث. ومن هنا يطرح مشروعُه التّربويّ رؤيةً متوازنة: أن يتعلّم الطّالبُ كيف يعبّر عن ذاته باللُّغتين معًا، العربيّةِ والإنجليزيّةِ، وهو يتهيّأ لمواجهةِ المستقبلِ ويبحث عن وظيفته ودوره في المجتمع.

بهذا التوجّه، تصبح الجامعةُ الأردنيّةُ في عهدِه أكثرَ من مؤسّسةٍ أكاديميّة؛ إنّها مشروعٌ حضاريّ يُعيد الاعتبارَ للُّغةِ الأمّةِ، ويمنحها دورَها الحقيقيّ في صياغةِ الفكرِ وصناعةِ الإبداع. ولعلَّ اللافت أنَّ هذا الاهتمام لم يأتِ من متخصّصٍ في اللغةِ والأدب، بل من طبيبٍ جعل من الهواءِ مدخلًا للشفاء، ومن اللّغةِ طريقًا للنهضة.

إنَّ الدّكتور نذير عبيدات، طبيبَ الصَّدريةِ وعاشقَ العربيّة، يعيد التّنفس للّغة العربيّة، ويقدّم اليوم درسًا بليغًا لنا جميعًا مفاده أنَّ الدّفاعَ عن اللّغةِ ليس حكرًا على الأدباء، بل هو مسؤوليةُ كلِّ من يرى في العربيّة روحًا جامعةً للأمّة. وبقراراته، يثبت أنَّ العربيّةَ ليست ماضيًا نتغنّى به، بل مستقبلٌ نبنيه بحروفِها وصوتِها الواضح، بعيدًا عن اللّحنِ والتّهميش. وهو يؤمن أنَّ الطالبَ المبدعَ هو من يُحسن أن يتحدّثَ بلغةٍ أمٍّ قويةٍ متينة، وبلغةٍ أجنبيّةٍ واثقة، ليقف شامخًا أمام العالم مُثبّتًا حضورَه وحضورَ وطنِه.


مدار الساعة ـ