أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الضمور يكتب: الذكاء في إخفاء الشغف حتى لا يتحول الحب إلى ورقة ضغط


المحامي حسين احمد الضمور

الضمور يكتب: الذكاء في إخفاء الشغف حتى لا يتحول الحب إلى ورقة ضغط

مدار الساعة ـ

في البداية، لم ينتبه بائع الخردة إلى رحبي وشغفي بما لديه من قطع قديمة نادرة. كنتُ أشتري منه دون تردد، أرى في كل قطعة أثراً من زمنٍ مضى، وعطراً يخرج من رحم التاريخ. ومع تكرار الشراء بدأ يراقبني بدهاء التاجر العارف، يرفع الأسعار، يخفي ما يعلم أن عيني ستقع عليه، ويتساءل في نفسه: هل يقتني هذه القطع لنفسه حقاً، أم ليعيد بيعها فيربح من ورائها؟

كنتُ أبتسم بصمت، فلا أنا من يبيع التاريخ ولا أنا من يساوم على عشق يسكن القلب. بالنسبة لي، كل قطعة أنتيك ليست مجرد معدن صدئ أو خشب مشقق، بل هي حكاية نابضة بالحياة، نافذة مفتوحة على زمن آخر.

لكنني مع الوقت أدركت لعبته، فغيّرت أسلوبي. صرتُ أشتري منه ما لا يراه مهماً، ألتقط ما لا قيمة له في نظره، وأتعمد أن أتجاهل ما يجذبني حقاً. تركته يتوه بين ظنونه، حتى بات هو من يصر عليّ أن أشتري، يخشى أن تفوته صفقة أو أن يكسد ما لديه.

وهكذا، صارت بيني وبينه لعبة أوسع من البيع والشراء. لعبة تعلّمني أن العشق للأشياء القديمة ليس شهوة اقتناء فحسب، بل هو أيضاً ذكاء في إخفاء الشغف، حتى لا يتحول الحب إلى ورقة ضغط في يد من يجهل قيمة ما لديك.

فالأنتيك، يا صاحبي، ليس تجارة… بل عشق. ومن عشق شيئاً، فهو عنده أغلى من أن يُقاس بثمن.

وخلاصة القول: في الحياة كما في الأنتيك، ليس كل ما نحبه ينبغي أن نكشفه. أحياناً يكمن الذكاء في أن نخفي ما يملأ أرواحنا شغفاً، حتى لا يصبح مكمن ضعفنا أو وسيلة للضغط علينا. فالحب والقيم والمبادئ أثمن من أن تُعرَض للمساومة، أو يُقاس قدرها بميزان البيع والشراء.

مدار الساعة ـ