عامان، وما زال ذلك اليوم حاضرا في الذاكرة، لا كخبر في التاريخ، بل كلحظة أعادت ترتيب وعينا.

في السابع من أكتوبر لم تنفجر الحرب فقط، بل انفجر فينا الإحساس بالحقيقة…

الحقيقة التي حاول العالم طمسها خلف الضجيج والسياسة، لكنها بقيت تنبض في ضمير كل من رأى ولم يستطع أن ينسى.

في الحياة، هناك أحداث لا تمر كما تمر الأيام…أحداث تقلب موازينك، وتعيد رسم ملامحك من جديد.

الكورونا كانت واحدة منها، حين جعلتنا نواجه هشاشتنا وضعفنا،

وحرب غزة كانت الطامة الكبرى، حين عرت فينا المعنى العميق للإنسانية والخذلان معا.

هذه الأحداث لا تتركنا كما كنا،

بل تعيد خلقنا على هيئة جديدة — أكثر وعيا، أقل ثقة في استقرار الأشياء،

وأكثر إدراكا أن كل ما نراه ثابتا يمكن أن ينقلب في لحظة. فلا شيء مضمون في مجريات الحياة.. ففي لحظة واحدة، تبدلت الأحوال، وسقطت كل ضمانات الحياة.

أطفال وجدوا أنفسهم أيتاما بين ليلة وضحاها، وآخرون بلا أطراف ولا مأوى.

أسر كانت عامرة فأضحت خاوية، وأغنياء أصبحوا فقراء، وأصحاء أصبحوا مقعدين.

أمهات يُتمت بلا أبنائهن، وآباء تيتموا بفقدان أهلهم، وكأن الأرض انقلبت على وجوهها لتقول : لا شيء يبقى كما هو.

بعد عامين، ما زالت غزة هناك…تقف على جمرها ،، رمزا يتجاوز المكان والزمان، رمزا للثبات في وجه الانكسار، وللإصرار على البقاء في زمن يُكافأ فيه الصامتون ويُدان فيه الصادقون،،، وتذكرنا أن الوجع قد يكون مدرسة، وأن البقاء ليس فقط حياة،، بل مقاومة الباطل…

في كل واحد منا شيء تغير إلى الأبد.

لذا، لا تعتاد على شيء… فالحياة كفيلة بأن تريك كم يمكن للحظة واحدة أن تبدل العالم في داخلك..