زريقات يكتب: نور الإخلاص.. حين يتحول الحب للعمل إلى إنجاز

مدار الساعة - كتب القنصل الفخري لجمهورية الدومينيكان – حمدان زريقات -

عندما يحبّ المسؤول عمله ويخلص له، تتحوّل الإنجازات إلى واقعٍ يلمسه الناس، وتدور عجلة التطوير رغم محدودية الإمكانات.

وقد لمست ذلك بنفسي خلال زيارتي أمس إلى دار محافظة جرش، للسلام على عطوفة المحافظ الدكتور مالك خريسات، والتعبير له – كأحد أبناء جرش – عن التقدير والامتنان للجهود الكبيرة التي يبذلها في خدمة المحافظة وتطويرها.

لطالما كان ملف المياه الهاجس الأكبر لأهالي جرش، إذ كانت بعض المناطق تنتظر أكثر من أربعين يومًا حتى تصلها المياه.

لكننا اليوم نشهد بداية انفراجة حقيقية، بعدما رفع المحافظ صوته عاليًا أمام دولة رئيس الوزراء خلال اجتماع المجلس الوزاري في جرش، مؤكدًا أن المحافظة “مظلومة في حصتها المائية”.

ومنذ ذلك الحين، تابع الدكتور خريسات الملف شخصيًا، وبجهدٍ متواصل مع الجهات المعنية في الميدان، حتى بدأ المواطنون يلمسون تحسّنًا واضحًا في التزويد المائي.

كما فتح المحافظ أبواب مكتبه وهاتف المحافظة أمام المواطنين لتلقي الشكاوى مباشرة، في خطوة عزّزت الثقة والتواصل بين المواطن والسلطة المحلية.

كان وسط مدينة جرش معاناة يومية للسكان والزوار بسبب الازدحام والبسطات العشوائية، لكن المشهد تغيّر اليوم كليًا.

فبقرار إداري حازم من المحافظ، وبالتعاون مع البلدية والأجهزة الأمنية، أُزيلت التعديات وطُبّقت الأنظمة، فأصبحت الحركة أكثر انسيابًا.

ويكفي أنني استطعت مؤخرًا عبور السوق القديم بسيارتي خلال خمس دقائق فقط في وقت الذروة، بعد أن كان ذلك يستغرق أكثر من عشرين دقيقة في السابق.

وبجهود المحافظ، تمّ الاتفاق مع وزارة الأشغال العامة على إعادة تأهيل المدخل السياحي لمدينة جرش المؤدي إلى المواقع الأثرية، ليليق بمدينة كانت يومًا إحدى عواصم “الديكابوليس” العشر في العصر الروماني.

كما تمّ حلّ مشكلة مدخل الطوارئ في مستشفى جرش الحكومي الذي كان يعاني من إغلاقات متكرّرة بسبب الاصطفاف العشوائي للمركبات.

اليوم، أصبح الطريق مفتوحًا وآمنًا لوصول سيارات الإسعاف، بعد متابعة حثيثة من المحافظ وتطبيق القانون على المعتدين على الطريق العام.

وما لفت نظري أيضًا خلال الزيارة هو التحوّل اللافت داخل مبنى المحافظة؛ فمساحة واسعة في الطابق الأول كانت مغلقة لسنوات وتُستخدم كمستودع، أصبحت اليوم قاعة اجتماعات حديثة مجهّزة بالكامل بالطاولات والشاشات وأجهزة الصوت والتكييف، من دون أن تتحمل خزينة الدولة أي كلفة تُذكر، إذ جرى تجهيزها بجهود المحافظ واتصالاته مع المؤسسات الداعمة.

ومن المقرّر أن يتم افتتاح القاعة رسميًا قريبًا من قبل معالي وزير الداخلية، الذي يُعدّ – كما نعلم – قدوة في الانضباط والعمل الميداني، ونموذجًا يُحتذى به في الإدارة العامة.

إنّ ما يحدث في جرش اليوم يثبت أن الإنجاز لا يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، بقدر ما يحتاج إلى إدارة مخلصة تؤمن برسالتها.

الدكتور مالك خريسات نموذج حيّ لرجل الميدان الذي يعمل بصمت، ويتابع التفاصيل بنفسه، مؤمنًا بأن من يحبّ عمله لا ينتظر الموارد بل يصنعها.

لقد أحبّ محافظ جرش مدينته، فأحبّته جرش.

مدينة الجمال والتاريخ والسياحة، التي إن أُحسن استثمارها، يمكن أن تكون درّة السياحة الأردنية بحق.

وهذا ما بدأ يتحقق اليوم، بفضل مسؤولٍ أحبّ عمله وأخلص له، فانعكس إخلاصه على أرض الواقع، فصنع من ضوء الإرادة طريقًا للإنجاز.