أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الخوالدة يكتب: السابع من أكتوبر شرارة لحرب عالمية


د. زيد احسان الخوالدة

الخوالدة يكتب: السابع من أكتوبر شرارة لحرب عالمية

مدار الساعة ـ

في صباح السابع من أكتوبر، استيقظ العالم على ما بدا كصدمة ميدانية غير متوقعة. قرار من الحلقة الضيقة لقادة المقاومة أطلق عملية شديدة الدقة، محاكية روح السادس من أكتوبر التاريخي ١٩٧٣، لكن بإمكانات أقل وأسلوب كوماندوز حاد، يكشف أن الإرادة يمكن أن تتجاوز الحجم والتجهيز. لم تكن العملية مجرد مناورة عسكرية، بل كانت رسالة استراتيجية: تحرير الأسرى، إعادة القضية الفلسطينية إلى قلب المشهد الدولي، وكسر وهم التفوق العسكري الإسرائيلي الذي طالما استُعرض على المنصات العالمية.

خلال ساعات، انهارت فرقة الغلاف، وأُسِر جنود ومدنيون في مشهد هز الرأي العام الإسرائيلي والدولي معًا. المشهد كان مفاجئاً حتى للقسام نفسه: جنودٌ يواجهون واقع الأسر، ومدنيون عاديون وقعوا في أيدي المقاتلين، بينما تعالت الصور لتصنع صدمةً للسياسات الغربية. في البداية، وقفت الدول الغربية والأوروبية مع إسرائيل، متأثرةً بما اعتبرته مظاهر أسر المدنيين. لكن الحقيقة الميدانية لم تتوقف عند اللحظة الأولى، فهي أعادت رسم الخريطة النفسية والاستراتيجية للمقاومة والمجتمع الإسرائيلي معًا.

نجاح العملية لم يكن فقط في الدمار الذي لحق بالغلاف، بل في الرسالة التي حملتها: حتى قدرة إسرائيل العسكرية ليست مطلقة، والأسطورة العسكرية يمكن أن تُسقط بصبر وتخطيط وجرأة. ظهور قدرات القسام الحديثة، من صواريخ قصيرة المدى إلى مضادات دبابات دقيقة وفعالة، كشف عن مستوى تدريب وإبداع غير متوقع، وساهم في تقويض الصورة التي حاولت الحكومة الإسرائيلية رسمها عن تفوقها التكنولوجي.

لكن العملية لم تأت بلا تحديات. انقسام العالم العربي حول كيفية التعامل مع الاحتلال، ودعم قطب واحد للأطراف الغربية، جعل أي حل سياسي معقدًا. الانقسام الفلسطيني الداخلي بقي واضحًا، والقدوم المفاجئ لترامب إلى المشهد أضاف بعدًا دوليًا معقدًا. وفي الوقت نفسه، دُمّرت قيادات حزب الله عمليًا، وجرى اغتيال قادة في الجيش الإيراني، ما أعاد المنطقة إلى حالة من التوتر المتصاعد، بينما استفادت إسرائيل من طفرة تكنولوجية جعلتها أكثر استعدادًا للعب دور جديد في المنطقة، في ظل غياب أقوى جيش عربي كان يعرفه القرن العشرون: الجيش العراقي الأسبق.

الحرب لم تقتصر على فلسطين وإسرائيل. كان ثمارها السياسي أوسع: فرج على سوريا المكلومة، حيث تمكنت المعارضة من دخول دمشق ونيل اعتراف دولي. الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصبح ممكنًا، رغم التحديات الهائلة. في الوقت نفسه، توسعت مآلات الحرب المباشرة لتشمل ضرب إيران ولبنان وسوريا واليمن وقطر وتونس، بينما جاءت المآلات غير المباشرة في صدمات مثل الضربة الهندية الفاشلة لباكستان.

التحالفات الجديدة بدأت تتشكل: مصر تتحالف مع تركيا، والسعودية تبني علاقة استراتيجية مع باكستان. الحوثيون اليمنيون دخلوا المشهد، وأصبح الصراع متعدد الجبهات أكثر وضوحًا، ممتدًا من البحر الأحمر إلى حدود إسرائيل.

دور الدول الإقليمية كان واضحًا: مصر احتضنت الوساطة الإنسانية والسياسية، قطر لعبت دورًا صامتًا لكنه فعال في تبادل الأسرى، السعودية وسعت لخلق توازن سياسي، تركيا والأردن أصدرا مواقف قوية في التنديد بالعدوان.

وسط هذا كله، برزت مماطلة نتنياهو في تقديم حلول فعلية، بينما واصل ترديد شعار “النصر المطلق”، كأنها كلمة سحرية تحميه من حقيقة الانهيار السياسي والاضطراب الداخلي. جنود كثيرون عانوا صدمات نفسية حادة، والمجتمع الإسرائيلي وجد نفسه أمام أزمة أخلاقية واستراتيجية غير مسبوقة.

داخل فلسطين الانقسام سيد المشهد، رغم انه من الممكن أن تولد حركة سياسية جديدة ترى ضرورة توحيد الكفاح الذي لم يعد مجرد بندقية، بل مشروع وطني شامل يترجم الدماء والتضحيات إلى حقوق.

إشكالية إسرائيل اليوم ليست مختلفة جوهريًا عن إشكالية القسام نفسه. فالحركة لم تحسب حساب اليوم التالي لعملية السابع من أكتوبر، لأنها لم تتوقع الانهيار السريع لغلاف غزة، ولم تكن مستعدة للتداعيات السياسية والنفسية التي خلفتها العملية على الداخل الإسرائيلي. بالمقابل، إسرائيل لا تعرف تمامًا ماذا سيحمل الغد من مفاجآت؛ فكل خطوة في الميدان تقابلها مفاعيل سياسية ودبلوماسية تتجاوز حدودها، ومع كل قرار تتشابك الحسابات مع قوى إقليمية ودولية عدة.

بين الانتظار لترجمة خطة ترامب إلى واقع عملي، يظل المشهد معلقًا بين احتمالين: إما إعادة القضية الفلسطينية إلى الكمون، حيث تُترك الحقوق معلقة خلف جدران السياسات الكبرى، أو الانزلاق نحو أزمة دولية تتجاوز الشرق الأوسط لتصبح تهديدًا شاملًا على الأمن العالمي. كل هذه الحسابات تظهر بوضوح أن الحرب لم تعد مجرد مواجهة بين طرفين، بل اختبارٌ حقيقي لإرادة الشعوب والدول في المنطقة والعالم بأسره، وأن كل يوم جديد يحمل احتمالًا لتغيير قواعد اللعبة.

السابع من أكتوبر لم يكن مجرد يوم في التاريخ، بل مرآة تعكس اختلال العالم، وعلمًا أن القوة لا تُقاس بعدد الأسلحة، بل بقدرة الإنسان على الصمود والحفاظ على كرامته، وأن السلام الحقيقي لا يُبنى بالقصف، بل بالاعتراف بحقوق الإنسان وكرامته.

مدار الساعة ـ