أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

عباسي تكتب: من 'سِراج' إلى رقمنة المناهج الجامعية.. نحو تعليمٍ أردنيّ ذكيّ يحفظ الهويّة ويعزّز الثقافة


د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة

عباسي تكتب: من 'سِراج' إلى رقمنة المناهج الجامعية.. نحو تعليمٍ أردنيّ ذكيّ يحفظ الهويّة ويعزّز الثقافة

د. هبة عباسي
د. هبة عباسي
قسم الموسيقى - كليّة الفنون والتصميم - الجامعة الأردنيّة
مدار الساعة ـ

يشهد الأردنّ اليوم مرحلة تحوّل رقمي غير مسبوق في قطاع التعليم، ويأتي هذا التحوّل انسجامًا مع التوجيهات الملكيّة السامية والرؤية التحديثيّة لسمو ولي العهد المعظّم الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي يجسّد نموذجًا معاصرًا للقيادة الشابّة التي تمتزج بين الرؤية المستقبليّة والتحديث المستمرّ والقدرة على التنفيذ والتطوير في حقل توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العمليّة التعليميّة، وتمكين الشباب وإعدادهم ليكونوا جيلًا قادرًا على الإبداع والابتكار والمنافسة. هذا الاهتمام يعبّر عن الإيمان بأنّ التعليم الذكي هو مشروع وطني وتحديث تقني مهمّ يربط المدارس بالجامعات، والعلوم المختلفة بالثقافة العامّة، والمواطنة بالإبداع.

وفي هذا الإطار يبرز مساران وطنيّان متكاملان؛ مبادرة "سراج" التجريبيّة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم وهي إحدى مبادرات المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، والمشروع الاستراتيجي لرقمنة المحتوى التعليميّ وإنتاج المحاضرات التفاعليّة النموذجيّة الذي أطلقته الجامعة الأردنيّة، اللذان يعكسان معًا روح الأردنّ الجديدة في العمليّة التجديديّة والتقدّميّة في التعليم مع الحفاظ على قيمنا وهويّتنا الأردنيّة والعربيّة.

تُعدّ "سِراج" مبادرةً تجريبيّة رائدة لاختبار إمكانيّات الذكاء الاصطناعي في دعم الطالب والمعلم على حدٍّ سواءٍ، وهي الآن في مرحلتها التجريبيّة الأولى، تسعى من خلالها إلى التطوير والتقييم بالتعاون مع عددٍ من المدارس الأردنيّة لقياس فاعليّتها في دعم التعلّم الذاتي، وتقديم محتوى تفاعليٍّ متوافقٍ مع مناهجنا الوطنيّة. وقد لفتت هذه الأداة الانتباه إلى إمكانيّات الذكاء الاصطناعي في جعل الطالب يحاور المعلومة ويُشارك في صنعها، كما وفّرت للمعلّمين أدواتٍ تساعدهم في إعداد الدروس والأنشطة، فأصبحت مختبرًا وطنيًّا للتعلّم الذكيّ.

أمّا في مسار التعليم العالي، فتعمل الجامعة الأردنيّة على مشروع رقمنة المواد وتحويلها إلى محتوى رقميّ تفاعليّ عبر منصّات ذكيّة، بهدف إثراء المحتوى الأكاديميّ وتحسين مخرجات التعلّم وإتاحة التعليم المرن والمستمرّ، فقد تحوّلت القاعات من أماكن ماديّة محدودة إلى فضاءات تفاعليّة مفتوحة تدمج النصوص بالأصوات والصّور وتجعل الطالب شريكًا لا متلقِّيًا فحسب.

وبذلك تتشكّل منظومة وطنيّة شاملة ومتّصلة للتعلّم والتعليم مدى الحياة؛ فما بين «سِراج» ومشروع الرّقمنة الجامعيّة، يبدأ الطالب في المدرسة رحلته التعليميّة بتفاعُلٍ ذكيّ، ويواصلها في الجامعة التي تُكرّس التفكير النقديّ والإبداع والمهارات الرقميّة. وهكذا تتحقّق الرؤية الأردنيّة للتعليم الشامل والمستدام من خلال هذا التكامل بين المراحل، فتغدو الرقمنة وسيلةً لتمكين الإنسان الأردني، لا غايةً بحدّ ذاتها. كما أنّ دمج الثقافة الأردنيّة في قلب هذه العمليّة يُبقي الهويّة الثقافيّة حاضرةً في المناهج والمنصّات الرقميّة؛ فالوحداتُ التي تتناول الفنانين الأردنيّين، والموسيقى الوطنيّة، والشعر الأردني الأصيل، والتراث الشعبيّ، حين تُقدَّم بأساليب تفاعليّة جذّابة؛ نكون قد جمعنا التكنولوجيا بالروح الثقافيّة، وربّينا ذائقةً جماليّةً وفكرًا نقديًّا متجذّرًا. هذا التحوّل الحضاريّ يُعيد تعريف التعليم في الأردن، ويُجسّد انتقاله من التلقين إلى التفاعل، ومن الحفظ إلى الإبداع، ومن الأنماط التقليديّة إلى تعليمٍ ذكيٍّ يحمل ملامح الأردنّ وثقافته.

مدار الساعة ـ