أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

حبش تكتب: حين يتحول الطريق إلى مأساة


رولا حبش

حبش تكتب: حين يتحول الطريق إلى مأساة

مدار الساعة ـ

بالأمس، مررتُ بجانب حادث سير مروّع على أحد شوارع العاصمة، توقفت للحظة أمام المشهد: سيارة محطمة، أصوات الإسعاف تملأ المكان، ووجوه المارة يغمرها الحزن والدهشة. في تلك اللحظة تساءلتُ، كما يتساءل كل واحدٍ منا عند رؤية حادثٍ مماثل: لماذا تتكرر هذه المآسي على طرقاتنا؟ وما الذي يجعل لحظة واحدة من التهور أو الغفلة كفيلة بتغيير حياة أسرٍ بأكملها؟

رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة المعنية في تنظيم المرور وتطبيق القوانين وتكثيف التوعية، ما زال عدد الحوادث على الطرق الأردنية مرتفعًا بشكلٍ يلفت الانتباه. فالأرقام لا تعبّر فقط عن إحصاءات، بل عن قصصٍ إنسانية مؤلمة تترك أثرًا في المجتمع كله.

وهنا لا بد أن نتوقف أمام الأسباب بوعي ومسؤولية، لأن الطريق لا يخطئ، وإنما الخطأ غالبًا يأتي من طريقة استخدامنا له.

العامل البشري هو الأكثر تأثيرًا في وقوع الحوادث. فالسرعة الزائدة، والانشغال بالهاتف أثناء القيادة، والتجاوز الخاطئ، وعدم الانتباه، هي سلوكيات فردية يمكن تجنبها تمامًا لو تعامل السائق مع المركبة باعتبارها أمانة ومسؤولية، لا مجرد وسيلة تنقل. فالقوانين مهما كانت محكمة، لن تحمي حياة إنسانٍ لم يقرر هو أن يحميها.

ثقافة الطريق تبدأ من الوعي الذاتي، من احترام النفس أولًا، واحترام الآخرين على الطريق ثانيًا.

ورغم التطور المستمر في بنية الطرق وتحديث أنظمة المرور، إلا أن المسؤولية لا تقع على جهة واحدة. هي مسؤولية مشتركة تبدأ من السائق والمشاة وتنتهي بكل فردٍ في المجتمع. فكل إشارة نحترمها، وكل انتباهٍ نقدمه في لحظةٍ حاسمة، هو مشاركة حقيقية في حفظ الأرواح.

القيادة ليست مهارة ميكانيكية فحسب، بل سلوك حضاري يعكس توازن الإنسان الداخلي. كثير من الحوادث لا تحدث بسبب ضعفٍ في المهارة، بل بسبب توترٍ أو غضبٍ أو انشغالٍ ذهني. لذلك فإن تعزيز الهدوء النفسي والوعي الذاتي أثناء القيادة يعدّ من أهم عوامل الأمان على الطريق. أن نقود بطمأنينة يعني أن نمنح أنفسنا والآخرين فرصة للحياة.

ما نحتاجه اليوم ليس قوانين جديدة بقدر ما نحتاج التزامًا أعمق بما هو قائم، ونشرًا أوسع لثقافة “السائق الواعي” و”الطريق الآمن”. الإعلام، والمدرسة، والأسرة، جميعها تلعب دورًا مهمًا في بناء هذا الوعي الجمعي الذي يترجم إلى سلوك حضاري يومي.

إن كل حادثٍ نراه على الطريق يجب أن يكون تذكيرًا لنا جميعًا بأن السلامة ليست صدفة، بل قرار. وأن الوصول متأخرًا بثوانٍ خيرٌ من ألا نصل أبدًا.

فالطريق مسؤولية، والقيادة وعي، والحياة أمانة لا تُقدّر بثمن.

مدار الساعة ـ