أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: الذكاء الاصطناعي في التعليم.. بين التطوير التكنولوجي وخطر فقدان القيم التربوية


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: الذكاء الاصطناعي في التعليم.. بين التطوير التكنولوجي وخطر فقدان القيم التربوية

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

يعيش التعليم اليوم واحدة من أعظم تحوّلاته في التاريخ المعاصر، مدفوعًا بالتطور السريع للذكاء الاصطناعي، الذي أصبح شريكًا في كل تفاصيل العملية التعليمية. لقد انتقلنا من مرحلة التعليم التقليدي المعتمد على التلقين إلى مرحلة التعليم الذكي القائم على التحليل، والتخصيص، والتفاعل الفوري مع احتياجات المتعلمين.

ولعل أكثر ما يجذب الأنظار هو قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل أداء الطلبة، وتقديم التغذية الراجعة الفورية، وتصميم خطط تعليمية فردية تسهم في تحسين التحصيل الأكاديمي وتطوير مهارات التفكير.

لكن، وسط هذا التقدّم المذهل، يبرز تساؤل عميق لا يقل أهمية عن التطور نفسه:

هل يمكن لهذا التقدّم التقني أن يسير دون أن يُضعف القيم التربوية التي يقوم عليها التعليم الإنساني؟

فالتعليم ليس مجرد نقل للمعلومات، بل هو بناء للعقل والوجدان معًا، وصياغة لشخصية الإنسان المتكاملة التي تجمع بين العلم والأخلاق والمسؤولية.

من هنا تتزايد المخاوف من أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى تهميش الدور التربوي للمعلّم، وتحويل العملية التعليمية إلى عملية تقنية بحتة تفتقر إلى التفاعل الإنساني والمشاعر والقيم.

لقد أصبح تطبيق ChatGPT نموذجًا بارزًا لهذا التحول.

فهو أداة ذكية تمكّن الطلبة والمعلمين من الوصول إلى المعرفة بسرعة هائلة، وتتيح كتابة الأبحاث، وتلخيص الدروس، والإجابة عن الأسئلة في ثوانٍ.

ومع ذلك، فإن الاستخدام غير المنضبط لهذه الأداة قد يُضعف مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلبة، ويجعلهم يعتمدون على “العقل الصناعي” بدلًا من تطوير قدراتهم الذاتية.

فالذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يُعلّم القيم، ولا أن يزرع في النفس روح الصدق والأمانة والاجتهاد، لأن هذه القيم تُكتسب بالتجربة الإنسانية، لا بالخوارزميات.

إنّ جوهر القضية لا يكمن في رفض الذكاء الاصطناعي، بل في كيفية توظيفه تربويًا وأخلاقيًا بما يخدم العملية التعليمية ويعزز من مبادئها.

فالذكاء الاصطناعي يجب أن يُنظر إليه كوسيلة مساندة، لا كبديل عن المعلم أو عن الجهد الإنساني في التعلم.

إنه أداة تُمكّن المربي من فهم احتياجات طلبته بصورة أعمق، وتمنحه وقتًا أكبر لغرس القيم وتوجيه السلوك، بدلاً من الانشغال بالأعمال الروتينية التي يمكن للآلة أن تنفذها.

وفي هذا السياق، تبرز مسؤولية المؤسسات التعليمية في بناء ثقافة رقمية أخلاقية، تقوم على وعي الطلبة بحقوقهم وواجباتهم في استخدام التقنية، وعلى تدريب المعلمين على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم دون الإضرار بالبعد الإنساني.

فالمدرسة ليست فقط مكانًا لاكتساب المعارف، بل هي بيئة لتربية القيم، وتنمية الحسّ بالمسؤولية، وتعليم الطلبة كيف يفكرون بعمق، لا كيف ينسخون بسرعة.

إنّ مستقبل التعليم لن يكون بالتقنيات وحدها، بل بقدرتنا على موازنة العلاقة بين التقدّم العلمي والضمير التربوي.

فالتقنية مهما بلغت من ذكاء، تبقى عاجزة عن أداء دور المربي الذي يوجّه، ويُلهم، ويُشعر الطالب بقيمة ما يتعلمه.

إننا نحتاج إلى تعليم رقمي ذكي، نعم، لكنه قبل كل شيء تعليم إنساني راقٍ يحافظ على القيم، ويجعل من المعرفة وسيلة لبناء الإنسان، لا مجرد أداة لتحقيق التفوق المادي أو التقني.

ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح دائمًا:

هل نُعلّم أبناءنا كيف يستخدمون الذكاء الاصطناعي؟ أم نُعلّمهم أولًا كيف يكونون أناسًا أذكياء في قيمهم وأخلاقهم قبل أن يكونوا أذكياء في تقنياتهم؟

مدار الساعة ـ