تابعت مؤخرا اختلاف الناس في قضية مهمة، وهي إعادة السلوك المجتمعي، من خلال مبادرة أطلقها وزير الداخلية وطلب من الحكام الإداريين استمزاج قادة الرأي في المجتمع حولها، لتنظيم الظواهر الاجتماعية، وقد كان اختلاف الناس حول أنها ليست من صلاحيات وزارة الداخلية، ويجب أن تصدر من وزارات أخرى كالتنمية الاجتماعية أو وزارة الأوقاف.
بالعودة إلى مهام وزارة الداخلية، نجد أنها معنية بشكل أساسي بمثل هذه المبادرات، حيث إن من مهامها "متابعة القضايا العشائرية، وتنسيق العمل مع الجهات الإدارية والأمنية المختلفة لتحقيق الاستقرار والمصلحة العامة"، وهي من صلب عمل الوزارة في المشاريع التنموية.ما لا يفرقه الناس أن البعض قرأ العنوان دون العودة إلى التفاصيل، ولم يعرف أنها عبارة عن مبادرة وليست قانونا رسميا، من يوقع عليها سيلتزم بها، ومن لا يوقع ليس ملزما بشيء، مثلها مثل القرارات التي اتخذتها بعض العشائر الأردنية بعدم صنع الطعام في حالات الوفاة، ومثل إلغاء بيوت الأجر، فهي ليست ملزمة لمن لا يراها كذلك، وملزمة لمن يقتنع بها.المبادرة لا علاقة لها بضرب العرف الاجتماعي أو العشائري، بل هي مساندة ومساعدة لمن لا يستطيع الزواج، حيث إن كتاب الوزير واضح وصريح بأن سبب عزوف الشباب عن الزواج اليوم هي كثرة المصاريف وتكبدهم نفقات خارج إرادتهم نتيجة بعض الظواهر المتمثلة في الجاهات، التي أصبحت عادة لدى البعض بإحضار عدد كبير لمثل هذه المناسبات، وهو أمر ساهم في ارتفاع نسبة العنوسة.إضافة إلى ذلك، كثرة المهور، مع تأكيد المبادرة أن المهر من حق الفتاة، وهو أمر لا يستطيع أحد سلبها إياه، إلا أن المبادرة تركز على عدم المغالاة في المهور، وأن تكون المهور ميسرة على الشباب من باب بناء أسر قادرة على العيش في حياة كريمة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الجميع.كما أن المبادرة تتطرق إلى موضوع بيوت الأجر، حيث تشير إلى أن بيوت الأجر لثلاثة أيام تهدر الوقت والمال وتغلق الطرقات في بعض الأحيان، وتركز على أن يكون الطعام حصرا على أهل المتوفى، من باب تخفيف النفقات والعقبات.لكن ما استفزني هو انتقاد بعض المسؤولين السابقين وبعض الشيوخ أيضا، لأن المبادرة تركز على عدم دعوة المسؤولين السابقين أو الحاليين لطلب يد كريمة فلان على فلان، وهو أمر يمكن أن ينهي مستقبل بعض الساسة الذين تفرغوا لمثل هذه الأعمال، بدلا من الانشغال بتقديم الحلول الواقعية للحكومات، واقتراح حلول لجميع الأوضاع التي يعيشها الأردن اليوم.نهاية، هي مجرد مبادرة، تتفق معها أو تختلف، فهذا حقك، وأنت لست ملزما بها، من أراد مهرا كبيرا فليطلب، ومن أراد جاهة ذات مناصب فله الخيار، ومن أراد التفاخر في بيت الأجر فهذا حقه. ولكن هناك من يريد هذه المبادرة ويريد التوقيع عليها، منعا للإحراج، وسترا للعرض والشرف، بعيدا عن البروتوكولات الاجتماعية، وتقليلا للنفقات وترشيدا للمدخرات.هي مبادرة إما أن تنجح وتلقى صدى بين أبناء المجتمع، وإما أن تؤجل ولا تطبق.والله من وراء القصد.الذيب يكتب: مبادرة الفراية بين الفهم والجدل
مدار الساعة  ـ 
  
 