أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العمرو يكتب: حين تُعيد الدولة للعادات معناها الإنساني


نضال الثبيتات العمرو

العمرو يكتب: حين تُعيد الدولة للعادات معناها الإنساني

مدار الساعة ـ

الأردنيّ، بطبعه الأصيل، يرى في العادات والتقاليد مرآةً لهويته، وجسراً يصل بين أجيالٍ تربّت على الكرم والتكافل والاحترام؛ غير أنّ الزمن، حين اشتدّت وطأته، حمّل هذه العادات ما لم تحتمل، فتحوّل الفرح إلى سباقٍ في المظاهر، والعزاء إلى استعراضٍ ثقيلٍ على القلوب والجيوب معاً؛ هنا، يتجلّى الوعي حين تتقدّم الدولة لتقول؛ آن أوان المراجعة؛ مبادرة وزارة الداخلية لتنظيم الظواهر الاجتماعية ليست قراراً فوقياً، بل قراءة واقعية لحاجة المجتمع إلى تصويب المسار، وتخفيف الأعباء، واستعادة الجوهر الإنساني للعادات التي كادت تفقد معناها.

جوهر المبادرة لا يقوم على المنع أو التقييد، بل على الفهم العميق لنبض الناس ومعاناتهم؛ حين تدعو وزارة الداخلية إلى أن يُقام بيت العزاء ليوم واحد فقط، وتُحدَّد أعداد المدعوين في الأفراح والجاهات، وتُبسط المهور، فهي لا تتدخل في الخصوصيات بقدر ما تحمي الإنسان من ضغط اجتماعي بات يُرهقه ويُربكه؛ فهذه المبادرة تُعيد للتقاليد معناها الأصلي، القائم على البساطة والمودّة، وتذكّرنا أنّ الكرامة لا تُقاس بعدد الكراسي ولا بحجم الولائم، بل بصدق المشاعر ونُبل المقاصد.

ظروف المعيشة اليوم تفرض على الجميع إعادة النظر في المظاهر التي لم تعد تعبّر عن الفرح بقدر ما تكرّس التنافس والتفاخر؛ والوزارة، بدورها، تمارس هنا مسؤولية وطنية وإنسانية، تُوازن بين الأصالة والواقعية، وتؤكد أنّ الحفاظ على القيم لا يعني الإصرار على الطقوس القديمة مهما أثقلت؛ فما أجمل الفرح حين يعود إلى معناه البسيط، لحظة لقاءٍ حقيقية تجمع الأحبة بلا حسابٍ للأرقام والمظاهر؛ وما أعمق العزاء حين يُختصر في وقفة مواساةٍ صادقة، تُسكّن القلب وتخفّف الوجع، بدل أن يتحوّل إلى طقسٍ اجتماعي مرهق يبدأ من تحويله لمقر مرشح انتخابي، وينتهي برجم الوطن وكأننا بعنا القدس؛ البساطة ليست تقليلاً من القيمة، بل ارتقاء بها؛ ومن أراد أن يُكرّم تقاليده، فليحفظ روحها لا شكلها؛ فهذا التحوّل لا يكتمل بقرارات رسمية وحدها، بل بشراكةٍ واعية من المجتمع، الذي يملك من الرشد ما يجعله يتبنّى هذه المبادرة عن اقتناعٍ لا عن التزام؛ إنها لحظة تأمل جماعي في سؤالٍ عميق؛ ما الذي نريده حقاً من أفراحنا وأحزاننا؟ مظهرٌ زائل أم معنى باقٍ؟

الأردن، بقيادته الحكيمة وشعبه الواعي، قادر على أن يُجدّد عاداته دون أن يفقد هويته؛ فمبادرة وزارة الداخلية ليست تقليصاً للحرية، بل تحصينٌ للكرامة؛ ليست نكراناً للأصالة، بل استعادةٌ لنقائها الأول؛ وحين تلتقي يد الدولة بوعي الناس، يُعاد بناء النسيج الاجتماعي على أسس أكثر رحمة وعدلاً وتوازن؛ فما نحن بحتاجه اليوم ليس أن نُلغِي التقاليد، بل أن نُطهّرها مما علق بها من مباهاةٍ وضغطٍ، لتعود كما كانت؛ سلوك إنساني يُعبّر عن صدقنا، لا عن قدرتنا المادية؛ هكذا يُصان الوطن، وهكذا تبقى روحه حية، متجددة، وفيةٌ لجذورها، منفتحةٌ على حاضرها.

مدار الساعة ـ