إن الكلمات الصادقة، عندما تنبع من شغف حقيقي بقضية تلامس حياة الناس، تتحول إلى ضوء كاشف لا يمكن تجاهله. هذا بالضبط ما فعلته الكاتبة تغريد قرقودة في مقالها العميق والمؤثر: "زيت الزيتون.. حين يُغشّ النور وتُزوَّر البركة". إنه ليس مجرد مقال، بل هو صرخة في وجه الغش والتزوير الذي يطال واحداً من أقدس رموز حياتنا العربية المتوسطية: زيت الزيتون المبارك.

نقد اجتماعي بمرارة الزيت

لقد نجحت قرقودة ببراعة في تجاوز المادة الغذائية إلى ما هو أعمق. المقال يمثل نقداً اجتماعياً لاذعاً يغوص في أعماق أزمة الثقة والأمانة في مجتمعاتنا. لم تكتفِ بتسليط الضوء على ظاهرة غش زيت الزيتون، بل ربطتها رمزياً بـ*"غش النور وتزوير البركة"*. في هذا الربط دلالة بالغة؛ فزيت الزيتون في تراثنا هو "زيت مبارك" و "نور على نور"، وغشه لا يمثل سرقة للمال أو خداعاً صحياً فقط، بل هو اعتداء على قدسية الموروث والأمانة الأخلاقية.

قوة العاطفة وسلطة الكلمة

ما يميز المقال هو القوة العاطفية التي تتشابك مع دقة الملاحظة. تشعر وأنت تقرأ كيف يتصاعد ألم الكاتبة على هذه الثروة التي أصبحت ضحية لأطماع ضعاف النفوس. لقد استخدمت اللغة بمهارة لتثير في القارئ ليس فقط الوعي، بل أيضاً الحنق والشعور بالمسؤولية تجاه هذا الغش المنظم. إنها تضع القارئ في مواجهة الحقيقة المُرّة: كيف أن سلعة ارتبطت بالبركة والصحة وطول العمر يتم تدمير قيمتها وفعاليتها بأيدي طامعة لا تتقي الله.

دعوة لاستعادة القيمة

في الختام، مقال تغريد قرقودة ليس شكوى، بل هو دعوة مُلحة لاستعادة القيمة؛ قيمة الشجرة المباركة، وقيمة المنتج الأصيل، وقيمة الأمانة في التجارة والمعاملات. إنه بمثابة بوصلة أخلاقية توجه الأنظار نحو ضرورة التمسك بالجودة والمحاسبة والشفافية. لقد قدمت الكاتبة خدمة جليلة لكل مستهلك وكل مزارع شريف، مبرهنة أن الصحافة المسؤولة هي تلك التي تدافع عن جوهر الحياة وكرامة الإنسان.

فمقالات كهذه هي حقاً ما يُضيء الحقيقة في زمن كثُرت فيه عتمة التزوير والغش.

حفظ الله الاردن والهاشمين.