أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

بطاح يكتب: الدولة الفلسطينية بين 'الاعتراف الدولي' والرفض 'الإسرائيلي الأمريكي'؟!


د. أحمد بطاح

بطاح يكتب: الدولة الفلسطينية بين 'الاعتراف الدولي' والرفض 'الإسرائيلي الأمريكي'؟!

مدار الساعة ـ

في ظل عدم وجود بدائل معقولة وحقيقية "لحل الدولتين" اتجه العالم أجمع (باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة) إلى قبول فكرة حل الدولتين للتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المُزمن، وقد تُوّج هذا التوجه، بموافقة (157 من أصل 193 دولة) في الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي يُفترض أن تقوم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، والتي تشمل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، أيّ ما يقارب 22% من أراضي فلسطين التاريخية.

والواقع أنّ هذا التوجه العالمي إلى تبني فكرة حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية لاستكمال تطبيقه جاء في ظل تطورين هامين جعله أمراً لا مفر منه وأولهما تبني إسرائيل لقانون "يهودية الدولة" في عام 2018 والذي يعني ببساطة أن إسرائيل التي يعيش بها 20% من العرب (من أصل 7 مليون) ليسوا مواطنين كاليهود يحظون بحقوق المواطنة، الأمر الذي يعني ببساطة نفي فكرة "دولة لكل مواطنيها"، أيّ يتساوى فيها جميع المواطنين في الحقوق والواجبات. وثانيهما ما حدث في السابع من أكتوبر حيث انفجر الوضع في قطاع غزة الذي تعرّض للحصار أكثر من 17 سنة، وتمخض عنه وعمّا سبقه من احتلال إسرائيلي طويل معركة "الطُوفان" وما تلاها من حرب إسرائيلية على القطاع، شهدت "إبادةً جماعية"، وتدميراً شبه كامل للبنية التحتية، وتهجيراً داخلياً منتظماً، وتجويعاً شهدت به الأمم المتحدة للفلسطينيين.

ولكن... وللأسف وفي مواجهة هذا التوجه الدولي لحلحلة المعضلة الإسرائيلية الفلسطينية من خلال حل الدولتين جاءَت خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتتنكر لهذا التوجه العالمي الذي يشبه الإجماع، ولتقترح خطة سوف تؤدي إذا ما تم تطبيقها إلى "تدويل" حكم القطاع وفرض الوصاية عليه من خلال ما أشارت إليه الخطة من تكوين "مجلس سلام" يرأسه ترامب نفسه ويديره عملياً "توني بلير" رئيس وزراء بريطانيا السابق. صحيح أن الخطة أشارت إلى بعض الفلسطينيين "التكنوقراط" (من خارج حماس وبقية فصائل المقاومة المسلحة) تحكم القطاع، وصحيح أيضاً أن الخطة أشارت بحياء إلى مفاوضات قد تتم لاحقاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين لبلورة "حل" ما للقضية الفلسطينية، وقد تقود إلى "دولة" فلسطينية ولكن الحقيقة المُرّة هي أن هذه الإشارات الخجولة إلى " كينونة" فلسطينية تصطدم بعراقيل حقيقية واضحة لكل متأمل في خطة ترامب ولعلّ أهمها:

أولاً: الرفض الإسرائيلي القاطع لإقامة دولة فلسطينية ليس فقط من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف (بن غفير، وسموتريتش ومن لفّ لفهما)، ولا من اليمين الإسرائيلي المتمثل في الليكود بزعامة نتنياهو، ولكن من مختلف أطياف المجتمع الإسرائيلي ونخبه السياسية. ولنتذكر في هذا السياق أن نتنياهو المطلوب منه تنفيذ خطة ترامب هو من يتفاخر دائماً بأنه هو الذي قضى على حلم الدولة الفلسطينية، وهو الذي دأب على تكريس القطيعة بين حماس في القطاع والسلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وذلك فضلاً عن "توسيعه" للاستيطان في الضفة وفصلها بكل ما أُتي من قوة عن القدس الشرقية التي يُفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين (ما يُعرف بخطة E1 الاستيطانية).

ثانياً: تماهي الإدارة الأمريكية بالكامل مع السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بقيام الدولة الفلسطينية، فقد حاولت هذه الإدارة برئاسة ترامب الحيلولة دون اعتراف بعض الدول الأوروبية الوازنة كبريطانيا، وفرنسا، وغير الأوروبية ككندا وأستراليا بالدولة الفلسطينية، كما منعت القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من الدخول إلى الولايات المتحدة ومخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة "تسونامي" الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وقد عززت ذلك بالخطة التي اقترحها ترامب والتي تعزز الوصاية الدولية (لمدة خمس سنوات على الأقل) من خلال ما أسمته الخطة "بمجلس السلام"، بل وفوضت الإدارة الفعلية للقطاع إلى "بلير" الذي عُرف بدوره في غزو العراق من غير أيّ تفويض من الأمم المتحدة، كما عُرف بعدم تحقيق أيّ إنجاز على صعيد حل القضية الفلسطينية، عندما ترأس "الرباعية الدولية".

ما معنى كل ما سبق؟ إنّ معناه ببساطة أن العالم كله يريد "إقامة دولة فلسطينية" طبقاً لحل الدولتين، ولكن إسرائيل تدعمها الولايات المتحدة لا تريدان ذلك بل تعملان ضده في الواقع.

إنّ هذه الحقيقة ترتّب ما ترتبه على الجانب الفلسطيني الذي يجب أن يعي ما يدور، ويوحّد نفسه، ويتأهب لنضال مستقبلي مرير، كما يرتّب على الجانب العربي أن يأخذ بخطوات ملموسة ومؤثرة لتنفيذ "حل الدولتين" فعلاً لا قولاً، كما يرتّب على كل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ألّا تكتفي بالإعلان بل أن تبادر إلى إتْباع قرارها بما يدعّمه من إجراءات عملية تُفْهم إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة بألّا حل في الأفق سوى حل الدولتين بحيث يتم إنصاف الشعب الفلسطيني من خلال إقامة دولته على ترابه الوطني، وتحقيق الأمن لإسرائيل وهو ما لا خلاف عليه بين كافة الدول المنخرطة في التعامل مع هذه القضية الشائكة.

مدار الساعة ـ