أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

منذ اليوم الأول حتى وقف الحرب… الملك عبدالله الثاني يقود الموقف الأردني بثبات وحكمة


المحامي حسام حسين الخصاونة
عضو المكتب السياسي للحزب الوطني الإسلامي

منذ اليوم الأول حتى وقف الحرب… الملك عبدالله الثاني يقود الموقف الأردني بثبات وحكمة

المحامي حسام حسين الخصاونة
المحامي حسام حسين الخصاونة
عضو المكتب السياسي للحزب الوطني الإسلامي
مدار الساعة ـ

بعد مرور عامين على اندلاع حرب غزة، ومع إعلان وقفها رسميًا مؤخرًا بعد جولة طويلة من المعاناة والصمود، يظل الموقف الأردني مثالًا في الثبات والاتزان والقيادة الحكيمة. فمنذ اليوم الأول للعدوان، لم يكن الأردن متفرجًا أو صامتًا، بل تحرك بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بخطى واثقة ورؤية واضحة، حاملاً رسالة إنسانية وسياسية متكاملة تدعو إلى وقف الحرب فورًا، ورفع المعاناة عن المدنيين، واحترام القانون الدولي الإنساني.

لقد كان جلالة الملك صوتًا صريحًا للحق، في وقتٍ غلب فيه الصمت على كثيرين تحدث في المحافل الدولية من الأمم المتحدة في نيويورك إلى الاتحاد الأوروبي في بروكسلً ومن القمم العربية إلى اللقاءات الثنائية مع قادة العالم، مؤكدًا أن ما يجري في غزة ليس حربًا ضد الإرهاب كما يروّج الاحتلال، بل إبادة جماعية بحق شعبٍ أعزل لم تكن مواقفه مجرد بيانات سياسية، بل صرخة ضمير إنساني عبّرت عن موقف الأردن وشعبه وعن قناعة راسخة بأن لا سلام دون عدالة، ولا أمن دون إنهاء الاحتلال.

ومع تصاعد العدوان برز الموقف الأردني في رفضه القاطع لأي محاولة للتهجير القسري لأهالي غزة أو الضفة الغربية حيث أعلن جلالة الملك بوضوح: “لن نقبل ولن نسمح بتهجير الفلسطينيين، فذلك خط أحمر.”

وفي الموقف نفسه، قال رئيس الوزراء الأردني آنذاك في تصريحٍ رسمي يعكس الموقف الثابت للدولة:

“أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية خط أحمر، وسيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب.”

هذا التصريح القاطع جاء ليجسّد التماسك بين الموقفين الملكي والحكومي، ويؤكد أن الأردن لا يتعامل مع التهجير كمجرد خرق إنساني، بل كعملٍ عدواني يمسّ الأمن الوطني الأردني والعربي.

في الميدان الإنساني لم تتوقف القوافل الأردنية يومًا عن الوصول إلى القطاع رغم المخاطر. فقد كانت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية جسرًا للحياة بين عمّان وغزة، حيث نظّمت عشرات القوافل البرية والجوية المحملة بالغذاء والدواء والمستلزمات الطبية، وأوصلتها إلى مستحقيها في أصعب الظروف. كما واصل المستشفى الميداني الأردني في غزة أداء واجبه البطولي في معالجة الجرحى وتضميد جراح الأطفال والنساء، رغم القصف ونقص الإمدادات، ليبقى شاهدًا على روح العطاء الأردني المتجذرة.

ولم يكن الجهد الإنساني مقتصرًا على البرّ بل شمل الإنزالات الجوية التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني بنفسه حين قاد شخصيًا أول عملية إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية إلى غزة، في مشهدٍ رمزي وإنساني عبّر عن حجم التزام الأردن الأخلاقي تجاه أشقائه. تلت ذلك سلسلة من الإنزالات التي نفذها سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ليجسد الصورة المشرّفة للعائلة الهاشمية التي لا تكتفي بالمواقف السياسية، بل تتقدّم الصفوف ميدانياً في خدمة القضايا العادلة والإنسانية.

ولم يكن ولي العهد بعيدًا عن الجهود الميدانية الأخرى، إذ تابع عن قرب العمل الإغاثي والإنساني، مؤكدًا أن دعم غزة واجب وطني وإنساني لا يرتبط بالسياسة بل بالقيم. كان حضوره في المشهد الشبابي الأردني داعمًا للمبادرات التطوعية، وحافزًا للشباب على المشاركة في جمع التبرعات وتنظيم الحملات، ما عزز الصورة الأصيلة للتلاحم بين القيادة والشعب في خدمة القضايا العادلة.

على المستوى الدبلوماسي، لعب وزير الخارجية أيمن الصفدي دورًا محوريًا في نقل الموقف الأردني إلى العالم، فكانت تصريحاته تعكس ثبات الخطاب الرسمي الأردني: وقف العدوان فورًا، رفض التهجير، احترام القانون الدولي، وضمان حماية المدنيين. ولم تكن تلك المواقف منفصلة عن الرؤية الملكية، بل كانت امتدادًا طبيعيًا لها، في إطار تنسيق متكامل بين القيادة والحكومة ومؤسسات الدولة.

أما الشعب الأردني، فقد عبّر عن موقفه بصدقٍ وإيمانٍ لا يقل عن الموقف الرسمي. فشهدت مختلف محافظات المملكة مظاهرات ومسيرات حاشدة خرجت بعفوية ووعي، رافعةً الأعلام الفلسطينية إلى جانب علم الأردن، ومرددةً الهتافات التي تؤكد وحدة المصير. وامتلأت الساحات والميادين بحملات جمع التبرعات والمساعدات، التي نُقلت عبر الهيئة الخيرية الهاشمية لتصل إلى أهل غزة، في مشهدٍ وطني عبّر عن أن الأردن كله يقف قلبًا واحدًا مع فلسطين.

لم يكن هذا الموقف الأردني محليًا فقط، بل امتد أثره إلى العالم. فبفضل الجهود المكثفة لجلالة الملك عبدالله الثاني، تغيّرت لهجة كثير من الدول والمنظمات الدولية تجاه ما يجري في غزة، بعد أن نجح الأردن في إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على الأجندة الدولية، وفي فضح الجرائم المرتكبة بحق المدنيين بلغة القانون والإنسانية. لقد تحول الصوت الأردني إلى ضميرٍ عالميٍ يدعو إلى العدالة، ويذكّر المجتمع الدولي بمسؤوليته الأخلاقية والإنسانية.

ومنذ بداية الحرب وحتى وقفها، كان جلالة الملك يؤكد في كل مناسبة على أهمية الموقف العربي الموحد، داعيًا إلى توحيد الصفوف وإطلاق موقفٍ جماعيٍ يحمي فلسطين ويصون كرامة الأمة العربية. فكان الأردن في كل المحافل صوت الحكمة والعقل، ومحرّكًا للموقف العربي باتجاه التضامن والتكامل، لا التفرقة والانقسام.

واليوم، بعد عامين من اندلاع تلك الحرب المأساوية، ومع إعلان انتهائها رسميًا، يقف الأردن وقد سجّل في صفحات التاريخ موقفًا مشرفًا سيظل يُذكر طويلًا. فقد أثبتت المملكة، بقيادتها الهاشمية وشعبها الواعي، أن الثبات على المبدأ هو أعظم أشكال القوة، وأن الدفاع عن فلسطين ليس خيارًا سياسيًا بل التزام وطني وإنساني وأخلاقي. لقد قاد الملك عبدالله الثاني الموقف الأردني بثباتٍ وحكمة، وجعل من الأردن نموذجًا في الشجاعة الأخلاقية والدبلوماسية الهادئة التي توازن بين الإنسانية والسيادة والمبدأ.

وهكذا، سيبقى الأردن، كما عهدناه، صوت الحق الذي لا يصمت، وضمير الأمة الذي لا ينام

مدار الساعة ـ