الحديث عن العلاقة الجيو سياسية، والجيوبولوتيكية بين روسيا – الدولة العظمى، الأكثر تفوقا في المجال النووي العسكري والمدني على مستوى العالم، وعلى مستوى التمسك بالقانون الدولي، وقيادة توجه عالم متعدد الأقطاب، وبين إيران – الدولة الشرقية الدينية الراديكالية، وصاحبة الهلال وسط العرب، مختلف تماما عن أي حديث بين العلاقة الرابطة بين أي دولتين أخريين، أو بين الشرق أو الغرب، أو مع إسرائيل الشريرة. وتعود العلاقات الروسية – الإيرانية إلى القرنين الثامن والعاشر الميلاديين، ودبلوماسيا إلى القرن الخامس عشر، والحديث يطول حول العديد من التفاصيل بينهما.
وما أرغب بإظهاره هنا هو أن روسيا في تعاملها مع إيران ودول العالم لا تشبه تعامل إسرائيل مع دول الشرق الأوسط، ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية العظمى قائدة توجه أحادية القطب. فبينما تتفهم روسيا إيران وتتعاون معها وعلى أكثر من مستوى اقتصادي – نووي سلمي، وعسكري تقليدي دفاعي، تهاجم إسرائيل إيران من الداخل لوجستيا، ومن الخارج عسكريا وبالتعاون مع حليفها الإستراتيجي أمريكا.والضربة الأخيرة الإسرائيلية – الأمريكية لإيران حزيران الماضي من هذا العام 2025، ولمواقعها النووية المشتبه بها من قبلهما كانت فاشلة لسبب واحد هو أن إيران لا تملك قنبلة نووية، ولا تخطط لإمتلاكها حسب توجهها السياسي واللوجستي، وتسعى لتطوير قدراتها النووية السلمية بالتعاون مع روسيا جارتها الدافئة من طرف بحر قزوين.
ويعيب العرب على إيران في المقابل نشر هلالها وسطهم وهم محقون بذلك، والأصل أن تلتزم إيران بحدودها الدينية – الشيعية ضمن حدودها الجغرافية، ولتترك العرب وشأنهم في إقامة وحدتهم العربية المنشودة التي دعاهم إليها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه بعد إنطلاقة ثورة العرب المجيدة الكبرى من مشارف مكة عام 1916. وردة الفعل الإيرانية العسكرية على إسرائيل جاءت قوية، وتمكنت فعلا لا قولا من فرك أنفها. وهو الأمر المشابه الذي لم يستطع العرب فعله على مدى ثلاث سنوات من حرب غزة قبل أن يتوصل الطرفان الفلسطيني ممثلا بحماس والإسرائيلي بتوجيه مباشر من نتنياهو، وتحت إشراف أمريكي قاده ترامب القادم لإسرائيل ومصر، والباحث عن جائزة نوبل للسلام وسط حربي غزة التي إنتهت ، وأوكرانيا المستمرة حاليا.
روسيا، هي من بنت علنا المفاعل النووي السلمي الإيراني في منطقة بوشهر، وهي من تطور البناء النووي هناك، ومن تحصن القدرات الدفاعية الإيرانية بإستمرار وعلنا. واتفاقية دفاع وتدريب مشتركة بين روسيا وإيران لا تشمل المواجهة الروسية العسكرية مع البلد المعتدي على إيران مثل إسرائيل أو أمريكا مثلا، وعدم تقديم مساعدات عسكرية للدولة المهاجمة، ومنع حركة الانفصاليين والجهاديين ، ودفاع جوي مشترك، والأكتفاء بالتدريب المشترك والتزود بالسلاح الروسي الحديث المطور. وثمة معاهدة دفاع جديدة لدول القزوين تشمل روسيا وإيران، وأذربيجان، وتركمستان، وكازاخستان، وحجم تبادل تجاري روسي – إيراني تجاوز ثلاثة مليار دولار، يمكن تطويره في المستقبل القريب.و إسرائيل بالمناسبة لا تخشى قنبلة إيران المزعومة في وقت تمتلك فيه تراسانة كبيرة من الصواريخ البالستية بعيدة المدى، فهي، أي إسرائيل نووية السلاح ومدعومة بالكامل من حلف " الناتو " الجاهز دائما لكي يرسو في مياهها دفاعا عنها، وإنما تخشى التوجه الراديكالي الديني الإيراني الذي يرفع شعار" الموت لإسرائيل والموت الأمريكا ". ومع هذا وذاك لازالت إسرائيل حية وكذلك أمريكا.
في علاقة روسيا بإيران فرصة للرأي العام للمقارنة بين سلوك الولايات المتحدة الأمريكية قائدة أحادية القطب الذي بدأ بريقه بالتراجع خطوات إلى الخلف بصعود تعددية الأقطاب بقيادة روسيا الاتحادية، واللقاء الصيني الأخير خير شاهد، وهو الذي جمع قادة روسيا العظمى، والصين الشعبية العظمى، والهند العظمى، وكوريا الشمالية وغيرهم من الدول الهامة التي تمثل شرق وجنوب العالم. وبالمناسبة إنهاء الحرب في غزة ورغم أنه حاجة فلسطينية – إسرائيلية مشتركة، وعربية ودولية، إلا أنه عكس حاجة إسرائيل وبإسناد أمريكي واضح للافراج عن أسرى إسرائيل تعدادهم بالمئات أولا مقابل الأفراج عن معتقلين فلسطينيين ثانيا وبأعداد كبيرة تجاوزوا الألف معتقل. ولم تتوجه أمريكا بقوة لأنهاء الحرب بسرعة، بينما ارتفع صوت روسيا ودول شرق وجنوب العالم، والغرب أيضا لتسريع وقف الحرب في غزة. ومن وجهة نظري عالم متعدد الأقطاب أكثر عدالة لقضايا شعوب العالم،و أفضل بكثير من عالم تقوده وتهيمن عليه قوة واحدة أمريكية تجر خلفها قوة أخرى أوروبية تطلق على نفسها إسم الاتحاد الأوروبي.
ومخرجات الحرب الأوكرانية شيوعا التي ينتظرها الجانبان الروسي والأوكراني، والأمريكي والأوروبي (الاتحاد الأوروبي )، التي بدأت من فوهة التيار البنديري الأوكراني المتطرف، ومن وسط انقلاب (كييف) عام 2014 غير الشرعي، وبجهد لوجستي بريطاني – أمريكي، سببها المباشر سلوك أحادية القطب السلبي، وتصدى لها عالم متعدد الأقطاب، وفي الواجهة روسيا الاتحادية.ولكي تنتهي الحرب ليس مطلوبا من أمريكا ومن الاتحاد الأوروبي الأنحياز لكييف العاصمة ونظامها السياسي بحجة حصولهما على الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي طوعا عام 1991، وهو الذي منحه لها الاتحاد السوفيتي طوعا شريطة عدم التغريد خارج السرب تجاه الناتو، متناسين بأن أوكرانيا عندما دخلت الاتحاد السوفيتي لم تملك من الجغرافيا ما تم منحه لها بعد ذلك، وأقصد (القرم والدونباس) الروسيين. ولاتنتهي الحرب بتزويد (كييف) والبهلواني زيلينسكي بصواريخ توما - هوك بعيدة المدى لضرب العمق الروسي، بينما روسيا في المقابل قادرة على الرد والتصدي، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، وهو ما المح إليه الرئيس بوتين مؤخرا.
وبناء عليه إيران قوة إقليمية فاعلة ومؤثرة ،ومن الممكن الاستفادة من موقعها الجيوسياسي، وليس المطلوب الاصطدام معها. ولا يجوز تحويل المنطقة الشرق أوسطية إلى جحيم من أجل عيون إسرائيل الاحتلالية، العدوانية، الاستيطانية، النازية. وتجربة إيران والمنطقة العربية مع إسرائيل كبيرة وسوداء، وهذا لا يعني في المقابل بأن سلوك إيران كله عال العال، فالسابع من أكتوبر (إيران، حماس، حزب الله) على مستوى قيادي، ورغم أهميته في تثبيت القضية الفلسطينية على سكتها الصحيحة، وللتعبير عن تاريخ القضية المأساوي بين عامي 1948 و2025، إلا أنه شكل سببا رئيسا لحرب إبادة في غزة اقترفتها إسرائيل المتطرفة جهارا نهارا أمام أعين المجتمع الدولي.