أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العايش تكتب: حين يختلف الكبار.. يضيع الصغار


رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث

العايش تكتب: حين يختلف الكبار.. يضيع الصغار

رندا سليمان العايش
رندا سليمان العايش
باحثة تربوية ومديرة مركز الريان للترجمة وخدمات البحث
مدار الساعة ـ

يبدأ الخلل التربوي أحيانًا من موقفٍ بسيط لا نلقي له بالًا، حين تقول الأم لطفلها "لا"، رغبةً في توجيهه وضبط سلوكه، فيأتي صوت آخر من الأب أو الجد أو الجدة ليقول: "اتركه، لا بأس، ما زال صغيرًا".

في تلك اللحظة، يتشكّل في ذهن الطفل مشهد مربك؛ الأم تبدو صارمة، والآخرون يظهرون بمظهر المتساهلين الطيبين. وهكذا يبدأ التناقض الأول في بناء شخصيته.

إن التربية ليست ساحة تنافس بين الأصوات، بل منظومة متكاملة تحتاج إلى انسجام وتفاهم بين الكبار قبل تطبيقها على الصغار. فحين يرى الطفل أن قرارات والديه متناقضة، يفقد ثقته بجدّية التوجيه، ويتعلم كيف يلتف على المواقف ليحصل على ما يريد، لا لأنّه عنيد، بل لأنّ البيئة المحيطة به علّمته أن القرار قابل للتبديل.

الأم ليست خصمًا في ساحة التربية، بل عمادها الأول. دعمها لا يعني تبرير كل تصرف، بل الوقوف إلى جانبها لتبقى صورتها متزنة أمام طفلها. فحين تتزعزع هيبة القرار الأمومي، تتصدع معها منظومة القيم التي تحاول الأسرة ترسيخها. وإذا كان هناك رأي مختلف، فليُناقش بعيدًا عن مسمع الطفل، حفاظًا على استقرار صورته عن الكبار وقدرتهم على القيادة.

إن التربية الفعّالة تقوم على وحدة الموقف، وعلى وضوح الرسالة التربوية داخل البيت. لا يمكن أن نطالب الطفل بالانضباط في بيئةٍ لا تنضبط هي نفسها، ولا بالاحترام في بيتٍ تتضارب فيه القرارات.

وعندما تتفق الأسرة على قواعد واضحة وثابتة، يشعر الطفل بالأمان، ويفهم أن "الرفض" لا يعني العقاب، بل الرعاية والتوجيه.

إن من أكبر الأخطاء التربوية أن تُقدّم العاطفة على المصلحة التربوية. فالتربية ليست مجرّد استجابة فورية لطلبٍ أو دمعة، بل إعداد متأنٍ لإنسانٍ مسؤول قادر على اتخاذ القرار في حياته المستقبلية.

وحين يرى الطفل أن والديه يقفان على أرض واحدة، يكتسب من اتزانهما اتزانًا، ومن اتفاقهما ثقة، ومن وضوحهما وضوحًا.

وهكذا، حين تتوحّد كلمة الكبار، ينشأ الصغار في بيئة مطمئنة متماسكة، يعرفون فيها أن الحب لا يعني التساهل، وأن الحزم لا يعني القسوة، وأن التفاهم بين الكبار هو أول بذرة في تنشئة طفلٍ واثقٍ، متوازنٍ، قادرٍ على أن يميّز الصواب من الخطأ بعقلٍ راشدٍ وقلبٍ مطمئن.

مدار الساعة ـ