أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

ابوزيد يكتب: توقفت طبول الحرب على غزة، ولكن الجرح غائر


زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار

ابوزيد يكتب: توقفت طبول الحرب على غزة، ولكن الجرح غائر

زيد أبو زيد
زيد أبو زيد
أمين سر المكتب السياسي لحزب مسار
مدار الساعة ـ

مقدمة: الحرب ونتائجها

توقَّفت طبول الحرب المستعرة على غزة منذ عامين، ويستعد العالم لما بعد الحرب، ويسأل الكثير من جموع المشاهدين: فليس من بيننا من هو في موقع الفعل، وماذا بعد؟ وكيف سيتعامل العالم مع معركة أكبر قادمة لا شكّ على المنطقة، في ظل ما يتشدَّق به غلاة التطرف في الكيان الإسرائيلي على أنَّ إسرائيل غيَّرت وجه المنطقة بل والعالم وستستمر في ذلك؟

وهنا السؤال الأكثر إلحاحًا على عقلي: لمن كانت الغلبة؟ ومن المنتصر؟ وهل النتائج بحجم المغامرة من حيث الوقت والأهداف ودراسة موازين القوى وغيرها؟ وحتى لا أدخل في متاهة المتصيدين للمواقف، من غير المدركين لحجم الحدث وطبيعة الصراع، سأتوقف قليلًا عند الحرب على غزة، والتي توقفت بجهود الوسطاء والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني.

الجرح العميق والتضحيات

لا يسعني القول إلا أنَّ الجرح غائر وعميق، فقد كان حجم التضحيات كبيرًا، ومشاهد الدمار مفزعة. وإذا كان قائد جيش الاحتلال يتحدث عن حرب متعددة الجبهات لم يخض مثلها جيش الاحتلال منذ تأسيس دويلتهم، فالوقت حان أن نقولها بصراحة: إنَّ جرحنا نازف، وما حدث يفوق الوصف، والصمت والعجز العالمي يفوق كل الكلمات.

فعامين من الصراع أوقعا آلاف الشهداء في غزة والضفة الغربية، ومئات آلاف من الجرحى خلال الحرب على غزة، كما امتدت إلى الضفة الغربية وكل فلسطين المحتلة، وامتدت إلى حدث إقليمي كبير في الهجوم على إيران وسوريا ولبنان واليمن وأخيرًا قطر، ولم يتمكن العالم من وقفها. وأعتقد أنَّ هذا طبيعي في ظل أهداف الاحتلال الصهيوني المعلنة والخطيرة جدًا على المنطقة وحجم الدعم الأمريكي الهائل، وهذا ما كشفته الأحداث في مجملها دون تفصيل أكثر.

الصمود الفلسطيني

إنَّ الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، رغم المجازر الدموية، قد يكون مدخلاً لوقف المشروع التوسعي الصهيوني مؤقتًا عن تحقيق أهدافه، وما أكتبه يؤكد أنَّ الحرب لن تتوقف، لأن الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وفلسطين، ودرتها المسجد الأقصى المبارك الذي نتشرف في الأردن أنه تحت وصاية الهاشميين ويدار من قبل الأوقاف الأردنية وبمباركة العالم على ذلك، لن يتوقف.

التاريخ والاحتلال

المعركة لم تبدأ بطوفان الأقصى، بل بدأت منذ الاحتلال الأول لفلسطين وهجر أهلها مرتين، وعمليات التهويد والتشريد والإبعاد والحصار والقتل والاقتحامات المتتالية لغزة والضفة مدنًا ومخيمات، وحتى التضييق على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

ففلسطين محتلة منذ عقود، وعمليات التهويد والتشريد مستمرة بلا كلل أو ملل من العدو الصهيوني. وما حصار غزة كل هذه السنوات إلا تعبيرًا عن مخططات تستهدف التخلص من الفلسطينيين وربما أبعد من ذلك بتحقيق حلم إسرائيل الكبرى على أراضي فلسطين التاريخية وأجزاء من الأراضي العربية المجاورة.

الوحشية الصهيونية

المشهد الفلسطيني اليوم يمر بانعطافة تاريخية، وظهرت حقيقة الجيش الصهيوني، فبدأ في استخدام سلاح الطيران والصواريخ الذكية والقنابل الموجهة والمدفعية بعيدة المدى ليقصف بوحشية كل ما يتحرك في غزة، فأحال البيوت والمساجد والمستشفيات والكنائس دمارًا صورة للوحشية التي مارسها هذا الاحتلال الصهيوني بدم بارد.

وكانت هذه المرة مختلفة من حيث وحشية الاحتلال، مما يستدعي من الجميع الوقوف صفًا واحدًا مع قضية الشعب الفلسطيني المقاوم والصامد على أرضه، وهو التزام من كل حرّ بالوقوف إلى جانب قضايا الشعوب وحقها في النضال لتحقيق حلمها في تحرير أرضها من الغاصب المحتل، وهذا حال أهل فلسطين، وبخاصة في قطاع غزة المحاصر منذ عقود من قبل المحتل الصهيوني.

الدور الدولي ومسؤوليات العالم

إنّ دولة الاحتلال الصهيوني رفضت بشكل قاطع كل مبادرات قادة العالم العربي، حتى ذات البعد الإنساني بوقف العنف والتصعيد. فهذا الكيان عبر تاريخه الأسود لا يفهم إلا لغة القتل والتهويد والتشريد.

ويجب على العالم اليوم أن يفكر بجدية في إعمار قطاع غزة المتضرر بشدة، وتأمين الحماية للشعب الفلسطيني في غزة حتى لا تتكرر المجازر والتدمير والتشريد مجددًا. فالمجتمع الدولي لا يستطيع الاكتفاء بالمراقبة والتقارير، بل يتوجب عليه توفير الدعم العاجل والمستدام لإعادة بناء البنية التحتية، وضمان الأمن الغذائي والصحي، والحفاظ على حياة المدنيين الأبرياء، ليصبح المستقبل في غزة أكثر أمانًا واستقرارًا، ولتتحقق العدالة الإنسانية التي طال انتظارها.

التغيير العربي والتحرر

إنّ التغيير في المواقف يحتاج إلى مقدمات، ولا بد من أن يصل البعض إلى قناعة بحاجته إلى تغيير مواقفه، والعودة إلى القاعدة التي انطلق منها برنامجه النضالي المقاوم، وإنّ الاصطفاف الطبيعي مع المقاومة. ولكن طموحنا يتجاوز ذلك إلى حالة تغيير كامل للمواقف العربية في مواجهة المشروع الإنجلو-سكسوني الصهيوني في المنطقة، بما يؤدي إلى إعادة صياغة العلاقات العربية-الدولية بمجموعها.

استنتاج وخاتمة

إننا بحاجة ماسّة لفهم قواعد اللعبة السياسية المعقدة واكتشافها، وهي التي حكمت التأثير المتبادل بين العوامل الداخلية والخارجية، وما آلت إليه الحالة العربية، ذلك أنّ المستقبل ليس قدرًا لا يُردّ، بل الإنسان هو الذي يصنعه.

ويبقى السؤال: كيف نعيد بناء النظام العربي بعد الحرب على غزة وما كشفته من اختلال في موازين القوى والمعايير السياسية والأخلاقية؟ وكيف يمكن أن تصبح مبادرات الإصلاح المطروحة في العالم العربي فرصة سانحة لإحداث تغييرات جوهرية في الحياة العربية المعاصرة؟

إنّ إيماننا بآفاق مستقبل أمّتنا الواعد في حسم الصراع العربي الصهيوني بما يحقق أمانيها ومصالحها، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية، بل يعني تفعيل عوامل التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة وإنضاجها، والبحث عن مبرراتها الموضوعية الملحّة من قلب واقعنا الراهن.

في ضوء ما تقدم؛ ليكن القادم فرصة للحديث عن الوحدة العربية، وإعادة إحياء المشروع النهضوي القومي وتجديده؛ للخروج من هذا المشهد أو المأزق الخانق؛ ليمثل الانطلاق بداية واقعية جديدة لحركة التحرر القومي.

مدار الساعة ـ