أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الذكاء الاستراتيجي وفهم اللحظة السياسية


د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم

الذكاء الاستراتيجي وفهم اللحظة السياسية

د. خلف ياسين الزيود
د. خلف ياسين الزيود
نائب أردني سابق عضو المكتب السياسي لحزب عزم
مدار الساعة ـ

ان التحولات الجيوسياسية المتسارعة التي تعيشها المنطقة العربية لحظة سياسية معقّدة تتصارع فيها المصالح الدولية والإقليمية، وتتجدد فيها الصراعات بأشكال جديدة ،وعلى رأس هذه القضايا القضية الفلسطينية وهي اليوم الاختبار الحقيقي لقدرة العرب على ممارسة الذكاء الاستراتيجي وفهم اللحظة السياسية لتحقيق الاستقرار الذي ينشده الجميع، وهنا يعني الذكاء الاستراتيجي قدرة الأمة أو القيادات على قراءة موازين القوى، واستشراف التحولات قبل وقوعها، واتخاذ الموقف الذي يضمن بقاء التأثير والمصلحة في هذا العالم المتغيّر، واليوم هذا يعني انه لا مجال للارتجال السياسي أو الارتهان للمواقف الخارجية.

ان المرحلة الراهنة بما تحمله من أزمات اقتصادية، وصراعات داخلية، وضغوط دولية تفرض على الدول العربية أن تستعيد فن إدارة اللحظة لا أن تكون رهينة لها.

الذكاء الاستراتيجي العربي المطلوب اليوم ليس الخطاب السياسي، بل هو إدارة التحالفات والمصالح وفق أولوياتنا بفهم طبيعة التحوّل في مواقف القوى الكبرى تجاه القضايا المركزية، وبناء التوازن بين أساس الأمن القومي ومتطلبات العدالة الإقليمية.

وحيث أن القضية الفلسطينية اليوم تعيش لحظة فارقة بين صمود الشعب تحت الاحتلال، وتغير المزاج الدولي، وتفاوت المواقف العربية أمام تحوّل في الرأي العام العالمي بعد مجازر غزة، إذ بدأت ملامح إعادة التفكير في مواقف العالم التقليدية، حيث تبدّلت أولويات القوى الكبرى نتيجة التنافس الأميركي الصيني والحرب الأوكرانية، مما جعل من منطقة الشرق الأوسط ساحة توازنات جديدة، حتى مع التشتت العربي النسبي بين من يرى في التطبيع خياراً استراتيجياً، ومن يتمسك بخيار المقاومة والحقوق التاريخية.

وهنا يصبح الذكاء الاستراتيجي هو القدرة على توظيف هذه اللحظة، لا انتظار مرورها، فمن يقرأ اللحظة جيداً، يعرف أن فلسطين ليست عبئاً سياسياً، بل ورقة توازن ومركزية في أي نظام إقليمي مستقبلي، وهنا يتجلى تباين المواقف الدولية من الحرب على غزة عمق الانقسام في النظام العالمي، اذ أن اميركا ما زالت أسيرة تحالفها التاريخي مع إسرائيل، لكنها تواجه ضغوطاً داخلية متزايدة من الرأي العام، بينما أوروبا تعاني انقساماً بين التعاطف الإنساني مع الفلسطينيين والالتزام السياسي تجاه إسرائيل، وفي المقابل وظفت روسيا والصين وظفتا اللحظة لانتقاد المعايير المزدوجة في الغرب، ما أعاد فتح النقاش حول شرعية النظام الدولي نفسه.

الذكاء العربي يجب أن يتحرك بمرونة داخل هذا التعدد الدولي، دون الوقوع في فخّ المحاور أو الاصطفافات، بحيث يتم استثمار التناقضات الدولية لصالح القضية الفلسطينية، لا ضدها، فالقضية الفلسطينية اليوم ليست فقط امتحاناً أخلاقياً للعالم، بل امتحاناً للوعي العربي، إن الذكاء الاستراتيجي المطلوب لا يقتصر على القادة، بل يجب أن يصبح ثقافة سياسية عربية عامة، تبدأ من الإعلام والجامعة وتنتهي بصانع القرار، لأن اللحظة السياسية الراهنة فرصة تاريخية نادرة لإعادة تعريف الموقف العربي، إذا ما امتلكنا الذكاء الاستراتيجي الكافي لفهمها واستثمارها. فمن يفهم اللحظة، يكتب التاريخ، ومن يغفلها، يصبح سطراً هامشياً فيه.

مدار الساعة ـ