أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين رياضة اخبار خفيفة ثقافة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

زعيم بحجم الضمير الإنساني: جلالة الملك عبدالله الثاني يعيد صياغة الوعي العالمي تجاه فلسطين


حمزة الصباغ

زعيم بحجم الضمير الإنساني: جلالة الملك عبدالله الثاني يعيد صياغة الوعي العالمي تجاه فلسطين

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

في لحظة تهاوت فيها الكثير من المفاهيم، وتبددت فيها البوصلات الأخلاقية أمام أزيز الطائرات وصرخات الأطفال في غزة، وقف جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ليمنح العالم معنى جديدًا للقيادة في زمن الحرب، ومعنى أعمق للإنسانية في زمن الانكسار. لقد أثبت جلالته مرة أخرى أن الكلمة، حين تخرج من ضميرٍ حيّ، قادرة على أن تهزّ أركان الصمت الدولي وتعيد للعالم شيئًا من وعيه المفقود.

لم يكن الموقف الأردني حيال الحرب على غزة مجرد بيان سياسي أو رد فعلٍ عابرٍ على مشهد دموي، بل كان تجسيدًا متكاملًا لقيادة تحمل ضمير أمة، وتدرك أن العدالة ليست خيارًا سياسيًا بل التزامًا إنسانيًا. ولهذا لم يكن غريبًا أن تعترف صحيفة هآرتس العبرية، في سابقة نادرة، بأن الملك عبدالله الثاني هو "أكثر زعيمٍ أوجع إسرائيل في حرب غزة الأخيرة"، ليس بقوة السلاح، بل بقوة المنطق، وبقدرته الفائقة على مخاطبة الرأي العام العالمي بالحجة المقنعة والبيان الأخلاقي العميق الذي أعاد تعريف الحرب أمام الضمير الإنساني. فلقد نجح جلالته في تحويل قضية غزة من نزاعٍ إقليمي إلى قضية أخلاقية عالمية، حين تحدث بلغةٍ لا تفهمها إلا الضمائر الحية. فبينما سعت الآلة الإسرائيلية إلى تبرير جرائمها تحت عنوان “حق الدفاع عن النفس”، أعاد الملك تعريف المفهوم برؤية إنسانية شاملة، قائلاً في الأمم المتحدة إن "القتل الجماعي للمدنيين ليس دفاعًا عن النفس، بل جريمةٌ بحق الإنسانية". في تلك اللحظة، تغيّر مسار السرد العالمي، وبدأت الموازين الأخلاقية تتحرك من جديد، لتعيد للقضية الفلسطينية وجهها الإنساني المسلوب.

إن جلالة الملك عبدالله الثاني لم يدافع عن فلسطين من منطلقٍ سياسي فحسب، بل من موقعٍ أخلاقي يستند إلى قيم العدل والكرامة التي تمثل جوهر الهوية الهاشمية. لقد وضع العالم أمام سؤالٍ أخلاقي لا يمكن الهروب منه: كيف يمكن للإنسانية أن تصمت أمام مشاهد الإبادة الجماعية، وأمام نكبةٍ جديدةٍ تُصنع على مرأى ومسمع من العالم؟ما جعل موقف الأردن استثنائيًا ليس فقط رفضه الحاسم لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، بل الطريقة التي جرى بها هذا الرفض. كان القرار الأردني واضحًا وثابتًا: لا لتهجير الفلسطينيين، لا لتصفية القضية، ولا لتفريغ غزة من شعبها. هذا الموقف لم يكن مجرد دفاعٍ عن حدودٍ جغرافية، بل كان دفاعًا عن حدود الضمير الإنساني نفسه.

لقد شكلت المواقف الأردنية في تلك اللحظات المصيرية سدًّا سياسيًا وأخلاقيًا حال دون تنفيذ أخطر مشروع استعماري في القرن الحادي والعشرين، وهو "تفريغ غزة والضفة الغربية من سكانهما". وكما قال مراقبون دوليون، لو تم فتح الأبواب للتهجير القسري، لما بقي فلسطيني واحد في غزة خلال الأسبوع الأول من الحرب. لكن جلالة الملك عبدالله الثاني، بثباته وشجاعته، قطع الطريق على هذا المخطط وأعاد رسم معادلة الردع السياسي العربي، لتصبح الإرادة الأخلاقية بديلاً عن الصمت الرسمي، والكلمة الموقف بديلاً عن الانحناء أمام الضغوط.

وفي خطابه أمام الأمم المتحدة، لم يتحدث جلالته إلى السياسيين فقط، بل إلى الضمير الإنساني الجمعي. كانت كلماته بمثابة مرآة تعكس الحقيقة التي حاول الإعلام الغربي طمسها، حين قال إن الفلسطينيين "يُقتلون مرتين؛ مرة بصواريخ الاحتلال، ومرة بصمت العالم". بهذه العبارة، أعاد الملك عبدالله صياغة الوعي العالمي، وجعل الرأي العام في مواجهة نفسه، لا أمام بيانات الدول فحسب. لقد فضح ازدواجية المعايير، ووضع الإنسانية أمام اختبارها الأصعب.ولم يكن حديث جلالته عن غزة مجرد دفاعٍ عن المظلومين، بل دعوة إلى إعادة إنسانية السياسة الدولية، بعد أن تجردت من قيمها. فحين قال إن “العدالة لا تتجزأ، والكرامة لا تُمنح انتقائيًا”، كان يذكّر العالم بأن قيم الأمم المتحدة نفسها تُختبر في فلسطين. ومن هنا، تحوّل موقف الملك عبدالله إلى ضميرٍ عالمي متحرك يذكّر القادة بأن صمتهم خيانة للقيم التي يدّعون الدفاع عنها.

لقد أعادت رؤية جلالة الملك تعريف معنى القيادة الأخلاقية في السياسة، حين جعل من العدالة مبدأ ومن الكرامة الإنسانية هدفًا. وهذا ما جعل صوته يتجاوز المنصات السياسية إلى وجدان الشعوب. فبينما غاب كثيرون عن ساحة الدفاع عن الحقيقة، ظل الملك عبدالله الثاني يقف وحيدًا تقريبًا في وجه تيار النفاق الدولي، مؤكدًا أن الأمة ما زالت تملك من يقول كلمة الحق في وجه القوة.وفي موازاة مواقفه السياسية، ترجم الأردن بقيادة جلالته التزامه الإنساني عبر التحركات الميدانية الفاعلة، من إرسال المساعدات الطبية والإغاثية إلى غزة عبر القوات المسلحة الأردنية والخدمات الطبية الملكية، إلى التنسيق مع الأمم المتحدة لتأمين المستشفيات الميدانية، وتوفير العلاج لضحايا العدوان. هذه الأفعال لم تكن مجرد مبادرات إنسانية، بل موقفًا وطنيًا يثبت أن الإنسانية ليست شعارًا بل ممارسة يومية.

إن ما يميز جلالة الملك عبدالله الثاني عن كثير من الزعماء في العالم اليوم، أنه لا يفصل بين السياسة والأخلاق. فهو يرى أن العدل لا يمكن أن يتحقق إلا بالوعي، وأن القيادة لا تكتمل إلا حين تعكس صوت من لا صوت لهم. لذلك، فإن حضوره في المشهد الدولي لم يكن تمثيلاً لدولة صغيرة المساحة، بل تمثيلاً لأمةٍ كبرى فقدت الكثير من صوتها، فوجدت في الملك عبدالله لسانها وضميرها.واليوم، بعد أن اعترف الإعلام العبري نفسه بأن جلالة الملك عبدالله الثاني هو الزعيم الذي أربك إسرائيل وأحرج العالم بمواقفه، يصبح من الضروري إدراك أن هذا الاعتراف ليس مجاملة، بل اعترافٌ بحقيقة أن القوة الأخلاقية قد تفوقت على القوة العسكرية. فبينما ينهار خطاب القوة أمام مشاهد الدمار، ينتصر خطاب الإنسانية الذي يقوده الملك عبدالله الثاني، لأنه يستند إلى منطق العدالة لا منطق الانتقام. فلقد أظهرت تجربة الحرب على غزة أن العالم يحتاج إلى صوتٍ عربيٍ عاقلٍ وشجاعٍ في آن، صوتٍ لا يهادن في الحق ولا ينجرف وراء الشعارات. وهذا ما قدمه جلالة الملك عبدالله الثاني بوضوح: قيادة تحترم عقل العالم دون أن تساوم على كرامة الأمة.

في النهاية، يمكن القول إن جلالة الملك عبدالله الثاني لم يدافع فقط عن فلسطين، بل أعاد تعريف مفهوم القيادة في زمن الاضطراب، إذ جمع بين البعد الأخلاقي والرؤية السياسية، بين الحكمة والشجاعة، وبين الإيمان بأن الإنسانية لا تزال قادرة على النهوض من تحت الركام. ولهذا أصبح بحق زعيمًا بحجم الضمير الإنساني، يقود الأمة من موقع الوعي لا من موقع الصراخ، ويعيد إلى العالم ذاكرته الأخلاقية المفقودة تجاه فلسطين، لتظل كلماته شاهدة على أن العدالة لا تموت ما دام هناك من يؤمن بها ويدافع عنها.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ