أماط تقرير مركز الحياة راصد اللّثام عن مسألة التواصل الحكومي مع أهم فئتين تمثلان المواطنين، وظهرت نسب تحتاج التوقف عندها بكل اهتمام.
ووفقًا للاستطلاع، فإن ٩١٪ من الأحزاب و ٦٠٪ من النواب غير راضين عن التواصل الحكومي، ونحن هنا نتحدث عن فئتين لكل منها من الشرعيات الدستورية والقانونية والسياسية ما يؤهلها للاضطلاع بالأدوار المطلوبة منها دون غيرها، والمتمثلة بنقل هموم المواطنين، والسعي لتحسين ظروفهم المعيشية ومستقبلهم، بالتشارك مع الحكومة صاحبة الولاية العامة.وتعيدنا تلك النتائج إلى بحث مسألة غاية في الأهمية - إن صحّت الأنباء - وهي دراسة إلغاء وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية إثر انتقال سجل الأحزاب للهيئة المستقلة للانتخاب، أو تحويلها لوزارة دولة أو وحدة ترتبط برئيس الوزراء، وهي مسألة تحتاج إعادة النظر في ضوء ما تقدم.وفي الحقيقة، فإن أرقام الاستطلاع تستدعي الدراسة، لا في وسائل التواصل الحكومية فقط بل التقييم الموضوعيّ لمدى فعالية تلك الوسائل والقنوات ونوعيتها في ضوء التغذية الراجعة، ولعلّ المقصود بالتواصل في هذا المقام ليس التواصل المرتبط بالعمل النيابي التشريعيّ والرقابيّ والذي مكانه قبة البرلمان، بل المشورة والاشتباك الإيجابي المنتج، مع النواب عموما والكتل النيابية الحزبية على حدّ سواء.وهنا يتجلى دور وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية، الذي يحتاج – برأيي- التعزيز والتمكين لا الإلغاء كما رشح مؤخرا.فبما يخص التواصل مع البرلمان عموما والنواب خصوصا، قد يكون الوقت قد حان لمأسسة العلاقة بين الحكومة ممثلة بالوزارة ومجلس النواب، ولعل أنجع الوصفات لذلك هو استحداث منصة خاصة تعرض فيها محاضر لقاءات وزير الشؤون السياسية والبرلمانية بالكتل النيابية والنواب المستقلين، وتلك فكرة رافقت تأسيسها حينما كانت وزارة شؤون برلمانية في حكومة دولة السيد سمير الرفاعي، وبهذا يكون المواطن رقيبا على ما يدور بين ممثليه والحكومة، كما ان هذا الدور يجعل من الوزارة ممرّاً إلزاميّاً للكتل النيابية والنواب المستقلين في علاقة شفّافة واضحة المعالم والحدود، ضمن الأطر الدستورية الناظمة لتلك العلاقة، ومن الممكن أن يفيد ذلك في الوصول إلى تفاهمات حول مشاريع القوانين الجدلية، والقرارات الحساسة قبل إرسالها الى المجلس أو إتخاذ الحكومة لها، وقد يقلل ذلك من الاسئلة النيابية وجلسات المناقشة العامة، ومن الممكن تضمين ذلك كله في النظام الداخلي لمجلس النواب في حال تعديله.ومن المهم كذلك أن تستحدث الوزارة دائرة أو وحدة خاصة لتقديم الدعم اللازم لمعهد الدراسات والابحاث البرلمانية المزمع إنشاؤه، والذي دعوت لإنشائه عبر مقالة سابقة منذ سنوات.وفيما يخص الأحزاب، لا بد من معاينة وسائل التواصل معها وتحديثها، إذ ان تحديث المنظومة السياسية تشريعيا يستدعي بالضرورة تحديثا لسبل التعاطي مع الساحة الحزبية، أما دور الهيئة المستقلة للانتخاب بهذا الخصوص قانونيّ تنظيميّ بحت سندا للفقرة (ب) من المادة (67) من الدستور التي نصت على دور الهيئة بالنظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها وفقا لأحكام القانون، فهي خصم قضائي – ضمن التوصيف القانوني – للأحزاب في حال وجود مخالفة تستدعي اللجوء للمحاكم المختصة، وقد يتعارض هذا الدور الذي تمارسه الهيئة باحترافية وموضوعية مع دورها السياسي الذي ستمارسه مع الأحزاب إذا أُحيل الاختصاص الحزبي السياسي اليها.وهنا، فإنه من المأمول أن تعيد الوزارة الحياة للأحزاب بعد فتور نشاطها على الساحة العامة، عبر استعادة الزخم والتمكين وصنع مساحات الاشتباك الإيجابي بينها وبين الجمهور، فتلك مصلحة وطنية، ومن جملة الوسائل المقترحة أن يتم استحداث منتدى للتواصل الحزبي على غرار منتدى التواصل الحكومي الذي جسّر المسافات بين المواطن والحكومة وأسهم ويسهم في شرح وبيان ما يهم الجمهور فيما ينوبه بالشأن العام، كما من بين تلك الوسائل التنشيطية المحدّثة تخصيص منابر موسمية للمناظرات الحزبية، وقد يسهم ذلك في تقريب المسافات بين الأحزاب ذاتها في سبيل الاندماج، ومن الأدوار الهامة للوزارة أيضاً تعزيز التشبيك مع وزارات الشباب والثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي لغايات إدماج الأحزاب في برامجها ومبادراتها، وبالعكس؛ تشبيك الأحزاب مع الوزارات والمؤسسات المعنية بما لديها من مقترحات وأفكار ومشاريع وطنية، وغير ذلك الكثير من جملة الأفكار التي تترجم الفكر الحزبيّ إلى واقع ملموس.تلك دعوة للحكومة أن تنظر لإلغاء أو تغيير المركز القانوني لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية بنظرة متروّية، وأن تُمنح الوزارة الأدوات اللازمة للتمكين وتحقيق التواصل الدائم، المثمر والمستمرّ مع أهم الفئات المعنية بإيصال صوت المواطن، فالمعادلة رابحة طالما أن همزة الوصل المطلوبة متوفرة وتقوم بواجباتها التي لا ننكرها بقدر ما ندعو إلى تقييمها في ضوء التغذية الراجعة، خصوصا في ظلّ وجود شخصية برلمانية عريقة تقودها وتحرص على اللقاءات الدائمة مع الهيئات الحزبية القيادية والشبابية من كلا الجنسين، وقد يستدعي ذلك تعديلات لنظام التنظيم الإداري للوزارة بما يمنحها مساحات اكبر وأوسع في سبيل التواصل مع الهياكل النيابية والحزبية بصورة دائمة، خلال أدوار انعقاد المجلس وبينها، وكذلك الأمر مع الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بصورة عامة، واقعياً ورقمياً من خلال منصات مستحدثة.لا ريب في أن الحكومة مؤمنة بالتواصل، وهذا ما تؤكده الاستطلاعات ذاتها، إن كان على مستوى تحركات الرئيس، أو ايعازاته التي كان أولها توجيه الحكام الإداريين لإدامة التواصل مع المواطنين، وعلى ذات المبدأ يؤمل بتعزيز التواصل وإدامته مع ممثلي الشعب وهياكله الحزبية، ضمن منهجية منتجة واضحة لجميع أطراف المعادلة السياسية.الكايد يكتب: التواصل الحكومي وفق التغذية الراجعة
مدار الساعة  ـ