أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات مجتمع وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحجاج يكتب: حين جفَّ نبعُ العفّة.. سالت أنهارُ الفتنة، وتبدّلت الموازين!


أحمد سعد الحجاج
صحفي أردني

الحجاج يكتب: حين جفَّ نبعُ العفّة.. سالت أنهارُ الفتنة، وتبدّلت الموازين!

أحمد سعد الحجاج
أحمد سعد الحجاج
صحفي أردني
مدار الساعة ـ

في زمن تتقاطع فيه الأزمات، وتضيق فيه سبل الرزق، وتزدحم الأرواح بأسئلة مؤرّقة، باتت العفّة عملة نادرة، والحياء في بعض البيوت زائراً خجولاً يطرق الأبواب فلا يجد من يُنصت إليه.

نرى بنات في عمر الورد ينتظرن النصيب كما ينتظر الظمآن قطرة المطر، فلا الغيم وعد، ولا المطر نزل، ومجتمع يُغالي في المهور حتى جعل الزواج حلمًا بعيد المنال، وسبيلاً محفوفًا بالمشقة، وكأنّ الستر بات ترفًا لا يُنال إلا بالثمن الباهظ.

سبق لي وأن تناولت في مقال نشرته سابقاً بعنوان: "من الميثاق الغليظ إلى الركام… الطلاق يفتح أبواب الانهيار"، كيف أنّ تراكم الأزمات الاجتماعية والمالية، والمغالاة في المهور، والافتقار إلى التيسير والإرشاد الأسري، كل ذلك يقود الأسر إلى الانهيار، ويترك الشباب والشابات في مواجهة الفراغ واليأس، فتتفكك الروابط قبل أن تكتمل، ويصبح الطلاق بوابة للفوضى في النسيج الاجتماعي.

إنّ مغالاة المهور ليست مجرد عبء مالي، بل سبب مباشر في تأخير الزواج وإطالة أمد العنوسة، وفي تكسر النسيج الاجتماعي. فالذهب الحقيقي ليس في الجواهر ولا الأثمان، بل في الستر والعفّة والطهر والذرية الصالحة، وفي بيت مسلم تقي نقي يُعمر بالمحبة والتقوى، لا بالمظاهر البراقة. وكلّما خفّ المهر زادت البركة، وكلّما سهل الطريق قلّت المعاصي، وارتفعت رايات الطهر.

في هذا السياق، يتجلّى دور وزارة الأوقاف ودائرة الإفتاء العام في معالجة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية الدافعة للفتنة، عبر خطب الجمعة التي تذكّر الناس بأن الزواج باب ستراً لا مضمار تفاخر، وبأن العفاف والطهر أساس سلامة المجتمع، وبتوجيه الأسر إلى التيسير والوعي بأهمية التوازن بين ما يطلبه الدين وما تفرضه الظروف. كما أن الفتاوى الراشدة تُعيد تصويب المفاهيم، وتدعوا إلى الاعتدال والوسطية، وتبصّر المجتمع بأنّ الغلو في المهور لا يحقق الكرامة، بل يثقل كاهل المقبلين على الزواج ويهدد استقرارهم.

ولا يمكن أن ننسى دور الأسرة بكل أفرادها في توجيه الشباب، وتخفيف الأعباء النفسية والمادية عنهم، وتمكينهم من اتخاذ خطوات الزواج بثقة وإيمان، وضبط توازن النسيج الاجتماعي. فالتربية على الحياء والعفاف، والوعي بمخاطر الإفراط في التوقعات المادية، مسؤولية جماعية تبدأ من البيت، وتستمر في المجتمع، لتمنع الانحرافات، وتغلق أبواب الفتنة قبل أن تستفحل.

كما أنّ القطاع الخاص، من شركات وبنوك ومؤسسات كبرى، شريك أصيل للقطاع العام في هذا الميدان، إذ يجب أن يجعل من دعم الشباب والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة محورًا من محاور مسؤوليته الاجتماعية، عبر برامج تمويل ميسّرة وصناديق زواج تسهّل تأسيس البيوت، بما يحافظ على استقرار الأسرة والنسيج الاجتماعي.

والحكومة مطالبة أيضًا بإعادة النظر في أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية، والتخطيط الجاد لخلق فرص عمل مستدامة للشباب المقبل على الزواج، بحيث يُتاح لهم الاعتماد على أنفسهم، ويُصان مجتمعهم من الانهيار والانحراف.

لقد تغيّرت الموازين، نعم، لكن ما زال في المجتمع من يوقظ الضمير، ويذكّر بأن العفّة ليست ضعفًا، بل قوة تواجه التيار، وأن الحياء تاج يكلّل الكرامة. وحين نعيد للزواج هيبته، وللحياء مكانته، وللعفّة قيمتها، سنرى مجتمعًا يستعيد نقاءه، ويظلّ البيت المسلم مرفأ أمان، والدرع الحامي للنسيج الاجتماعي من كل تفكك أو انهيار.

وفي الختام، نقول: حين يُحيى الطهر ويُصان الحياء، وينهض المجتمع بالعفاف والتقوى، تُحفظ القيم، ويُعاد للبيوت توازنها، ويصبح المجتمع كله منارة أمان وسلام، قبل أن تذبل الزهور ويغرق في أنهار الفتنة.

مدار الساعة ـ