أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزعبي يكتب: انتقاد الوزارات.. هل هو ضعف إعلامي أم ضعف في القرارات؟


محمد علي الزعبي

الزعبي يكتب: انتقاد الوزارات.. هل هو ضعف إعلامي أم ضعف في القرارات؟

مدار الساعة ـ

في المشهد العام، تتسابق المنابر والصفحات ومواقع التواصل في نقد الوزارات، حتى غدت بعض الأقلام تتعامل مع الحكومة كخصمٍ دائم، لا كجزء من منظومة وطنية تعمل في ظروف مركّبة وضاغطة، النقد اليوم صار رائجًا أكثر من الفهم، والاتهام أسرع من التحليل، والناس لا تنتظر البيان الرسمي بقدر ما تنتظر الشائعة التي تُشعل ساحة الجدل. وهنا يبرز السؤال المؤلم: هل الخلل في الوزارات التي تُخطئ وتُصيب، أم في إعلام الدولة الذي تراجع صوته حتى بات صدى لا أثر له؟

لقد أصبحت بعض المؤسسات الإعلامية الرسمية أقرب إلى نشرات رتيبة، تخاطب الماضي بلغة جامدة، لا تُلامس عقل المواطن ولا وجدانه، بيانات مكررة، وتصريحات باهتة، وصور وزراء أمام المكاتب دون روح أو مضمون، في زمن السرعة والمعلومة الدقيقة، لا يكفي أن تُصدر الوزارة بيانًا بعد العاصفة، بل يجب أن تكون جزءًا من الوعي قبل أن تبدأ العاصفة، فالإعلام ليس زينة الدولة، بل درعها الأول حين تشتد الموجة، وسلاحها في مواجهة التضليل والارتباك.

أما بعض الوزارات، فهي تتقن الصمت إلى حدٍّ يُثير الدهشة، وكأنها تخشى الحقيقة أكثر مما تخشى النقد، تُغلق أبوابها أمام الصحافة، وتتعامل مع المعلومة كما لو كانت سرًّا عسكريًا، متناسية أن غياب الشفافية لا يحميها بل يُضعفها، وأن المواطن حين لا يسمع صوتها، سيصدق أي صوتٍ آخر مهما كان واهيًا أو مغرضًا، هذه الوزارات تحتاج إلى أن تتعلم فنّ التواصل قبل الدفاع، والتوضيح قبل الاتهام.

الإعلام في الدولة لا يُقاس بعدد القنوات ولا جمال اللقطات، بل بقدرته على بناء الثقة، وتقديم الحقيقة دون تكلّف أو تجميل. أما أن يبقى إعلام الدولة حبيس “المجاملات البروتوكولية” واللغة الخشبية، فذلك يعني أننا نعيش في زمنٍ لا يسمع فيه الناس ما يُقال باسمهم. فكيف يمكن لمواطنٍ يبحث عن المعلومة والصدق أن يثق بخطاب لا يختلف من حكومة إلى أخرى إلا في الأسماء؟

النقد ليس ترفًا ولا شغبًا، بل واجب وطني، لكن بشرط أن يكون النقد صادقًا لا صاخبًا، وأن يكون الإعلام مرآة إصلاح لا مرمى تصفية حسابات، في المقابل، فإن الوزارات مطالبة بأن تنظر في المرآة لا أن تكسرها، وأن تدرك أن تكميم الصوت لا يلغي الوجع، وأن تجاهل النقد لا يمحو الأخطاء.

لقد تحوّل المشهد في بعض الأحيان إلى حوارٍ من طرفٍ واحد؛ الإعلام الرسمي يهمس بما يرضي، والوزارات تصمت بما يريح، بينما الشارع يصرخ بما لا يُسمع، وهنا تكمن مأساة ضعف القرار وضعف الخطاب معًا، فحين يفقد الإعلام جرأته، تفقد الدولة لياقتها في التواصل، وحين تتردد الوزارات في المواجهة، يُترك الميدان للفوضى والتأويل.

ومن موقعي كمتابع أؤمن أن النقد الحقيقي لا يهدف إلى كسر هيبة الدولة، بل إلى ترميم صورتها، وأن الإصلاح لا يبدأ بالمديح، بل بالجرأة على تسمية الخطأ باسمه، نحن بحاجة إلى إعلام وطنيٍ يقظٍ، لا يخاف من الحقيقة ولا يجمّلها، وإلى وزراء يدركون أن الصدق في البيان أبلغ من عشرات التصريحات المصقولة. فبين ضعف الإعلام وجمود القرار تضيع الرسالة، ويبهت حضور الدولة في وعي الناس.

إن الوطن لا يحتاج إلى من يصفق، بل إلى من يُفكر، ولا إلى من يخفي الأخطاء، بل إلى من يجرؤ على تصويبها. فحين نعيد للإعلام هيبته، وللوزارات جرأتها، نستعيد الثقة التي تسبق أي إصلاح أو تحديث ،فالدولة القوية لا تخاف النقد، بل تستثمره، والإعلام القوي لا يمالئ السلطة، بل يساندها حين تُحسن، ويواجهها حين تُخطئ، لأنهما في النهاية وجهان لوطن واحد.

مدار الساعة ـ