أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

سالم يكتب: حق العودة واعمار فلسطين


عمار محمد سالم

سالم يكتب: حق العودة واعمار فلسطين

مدار الساعة ـ

منذ عام 1948، يعيش الفلسطينيون حكاية اللجوء والنزوح عن الأرض، ويواجهون واحدة من أطول مآسي التهجير في التاريخ الحديث.

ورغم تعاقب المشهد السياسي وتبدّل الأحداث وتعدد الاتفاقيات، يظل حق العودة إلى الديار الأصلية ثابتًا في الوجدان والشرعية الدولية، بوصفه الركيزة الأهم لأي سلامٍ عادلٍ ودائم.

وفي مقابل هذا الحق، تبرز اليوم قضية إعادة إعمار فلسطين من القرى المدمّرة منذ عام 1948، إلى غزة التي تنهض من تحت الركام بعد كل حرب كجزءٍ من المعركة على الوجود والهوية.

أولاً: حق العودة... من القرار 194 إلى الواقع السياسي

صدر القرار رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، مؤكدًا على "وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام أن يعودوا في أقرب وقت ممكن."

ورغم وضوح النص القانوني، فإن هذا الحق واجه محاولات مستمرة للتجاوز أو التهميش في المفاوضات السياسية التي تلت النكبةحتى الان.

1. كامب ديفد (1978)

اتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل ركّزت على السلام الثنائي، وتجنّبت الحديث عن حق اللاجئين أو العودة، مكتفية بالإشارة إلى "حلٍّ لمشكلة اللاجئين".

كان ذلك أول تراجع عربي رسمي عن ربط السلام بتنفيذ حق العودة بشكل واضح، ما أثار قلق الفلسطينيين آنذاك.

2. اتفاقية أوسلو (1993)

جاءت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لتُرجع قضايا “اللاجئين والقدس والحدود” إلى مفاوضات الوضع النهائي.

لكن الواقع أثبت أن ملف اللاجئين بقي مجمّدًا، في حين توسّع الاستيطان واشتد الحصار، مما جعل “حق العودة” مؤجلاً إلى أجل غير معلوم.

3. قمة بيروت ومبادرة السلام العربية (2002)

في قمة بيروت عام 2002، أطلقت الدول العربية مبادرة السلام العربية التي نصّت على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967 مقابل التطبيع الكامل، وعلى حلٍّ عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194.

ورغم دعم المجتمع الدولي للمبادرة، رفضتها إسرائيل رسميًا، وبقيت مجرّد إعلان نوايا في ظل غياب الإرادة السياسية لتنفيذها.

ثانياً: إعادة إعمار فلسطين...

إن الإعمار في فلسطين ليس مجرد مشروع عادي، بل هو فعل مقاومة وصمود.

من القرى التي هُدمت عام 1948 إلى الدمار المتكرر في غزة، ظلّ الفلسطيني يبني ليؤكد أن الأرض له في جميع المعادلات.

فقد أُقيمت على أنقاض القرى الفلسطينية كيبوتسات وثكنات عسكرية، رغم أن عدد سكان هذه الكيبوتسات لا يتجاوز 2.5% من اليهود.

ورغم الدعاية الصهيونية حول "الجيش الذي لا يُقهر"، فإنّ الواقع يكشف هشاشته، كما أنّ بعض المجتمعات العربية أسهمت في تسويق الماسونية والصهيونية أكثر من أصحابها أنفسهم.

تجربة غزة الجديدة..

بعد كل حرب على غزة، تتكرّر نفس الصورة بيوت مهدّمة،بنية تحتية منهارة،آلاف الشهداء والنازحين.

ورغم أن الحرب الأخيرة عام 2023 لم تكن كسابقاتها إذ كسرت شوكة الاحتلال وكشفت حقيقته للعالم فإنّ الإعمار ما زال يواجه عقبات كبيرة.

تسعى خطة إعادة الإعمار الحالية إلى تنفيذ مشاريع سكنية، وشبكات مياه وكهرباء، ودعم القطاعات التعليمية والصحية، لكنّ القيود الإسرائيلية على دخول المواد، والتمويل المشروط سياسيًا، ما زالا يحوّلان الإعمار إلى أداة ضغط بدل أن يكون وسيلة للتعافي.

ثالثاً: العلاقة بين العودة والإعمار

لا يمكن الحديث عن إعمارٍ حقيقي دون تحقيق حق العودة، إذ يوجد اليوم أكثر من 6 ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم، بحسب تقارير وكالة الأونروا. فالإعمار يتطلب وجود أصحاب الأرض داخل بلادهم، لأن هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا يقبل التنازل، بل هو حق يُورَّث من جيل إلى آخر.

إن حق العودة هو الأساس الإنساني والسياسي الذي يمنح الإعمار معناه الحقيقي؛ فالمنازل والمدارس والمصانع تُبنى لتستقبل اللاجئين لا لتحلّ محلّهم.

ولذلك يجب أن يرتبط أي مشروع إعمار ناجح بـ:

1. تمكين الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم الأصلية وإعادة توطينهم فيها.

2. تعزيز الاقتصاد الوطني الفلسطيني المستقل.

3. الحفاظ على الذاكرة الجماعية للمدن والقرى المهدّمة.

رابعاً: دور المجتمع المدني والمؤسسات الفلسطينية

تلعب مؤسسات المجتمع المدني والمبادرات الشبابية دورًا حيويًا في نشر الوعي بقضيتي العودة والإعمار من خلال:

بناء قدرات الشباب في العمل المجتمعي والتنمية.

تنفيذ مشاريع تمكينية في المناطق المتضررة.

تعزيز الثقافة الوطنية والتمسك بالهوية الفلسطينية.

إن هذه الجهود تمثل بناء حقيقي للانسان اعادة اعمار الحجر.

وفي الختام إن “حق العودة” ليس ماضٍ يُروى، بل مستقبل يُبنى.

و“إعادة الإعمار” ليست نهاية الحرب، بل بداية الطريق نحو العدالة التي تعيد لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني بيوتهم وكرامتهم وأرضهم.

ورغم ما بين القرارات والاتفاقيات من فجوات، يبقى الأمل متجذرًا في أرضٍ تعرف أبناءها يقاومون من اجلها، وتنتظر عودتهم مهما طال الغياب.

مدار الساعة ـ