أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

المعايطة يكتب: حين يفرغ الفكر… تعلو الأصوات مشاكل و حلول


الدكتور محمد علي المعايطة
رئيس قسم جراحة الوجه والفكين والتشوهات الخَلقية رئيس قسم أمراض الفم واللثة رئيس قسم الأشعة السنية عضو المجلس الاستشاري الأعلى لرئيس جامعة البترا

المعايطة يكتب: حين يفرغ الفكر… تعلو الأصوات مشاكل و حلول

الدكتور محمد علي المعايطة
الدكتور محمد علي المعايطة
رئيس قسم جراحة الوجه والفكين والتشوهات الخَلقية رئيس قسم أمراض الفم واللثة رئيس قسم الأشعة السنية عضو المجلس الاستشاري الأعلى لرئيس جامعة البترا
مدار الساعة ـ

تعيش الجامعات الأردنية منذ أعوام ظاهرة مقلقة تتكرر بين الحين والآخر، تتمثل في المشاجرات الطلابية الجماعية التي تمسّ هيبة المؤسسة الأكاديمية ورسالتها التربوية الأصيلة.

وعلى الرغم من تعدد القراءات الاجتماعية والنفسية لهذه الظاهرة، فإن الملاحظة الدقيقة تكشف عن نمطٍ متكررٍ يستحق التأمل: فغالبية تلك المشاجرات تقع في الكليات الإنسانية، لا في الكليات العلمية، وهو ما يعكس خللاً أعمق في البيئة التعليمية والثقافية الجامعية.

أولاً: جوهر المشكلة – فراغ الفكر وضعف الانشغال العلمي

يعيش كثير من طلبة الكليات الإنسانية فراغًا ذهنيًا وزمنيًا، ناتجًا عن طبيعة المناهج القائمة على الحفظ والتلقين وضعف الارتباط بالمشاريع البحثية والميدانية.

وحين يخلو الفكر من العمل الجاد، يمتلئ بما هو أدنى، فتتحول الطاقات غير الموجهة إلى تكتلات اجتماعية أو عشائرية أو مناطقية، تُستمد منها القوة لا من العلم والمعرفة. أما طلبة الكليات العلمية، فهم في انشغالٍ دائمٍ بالمحاضرات والتجارب والمشاريع، يعيشون ضغطًا أكاديميًا منظمًا يُهذّب فيهم روح الجِدّ والمسؤولية ويغرس فيهم الانضباط والمنهجية.

ثانياً: أزمة التعليم الإنساني وضعف جدواه التطبيقية

ليست المشكلة في العلوم الإنسانية ذاتها، بل في طرائق تدريسها ومحدودية أفقها التطبيقي.

إذ غاب عنها عمق البحث الميداني والتحليل النقدي، وحلّ محلّهما التكرار والاستظهار دون تجربة أو تفكير. وحين يفقد الطالب الإحساس بجدوى تخصصه ومستقبله، تتراجع دوافعه البنّاءة، ويبحث عن بدائل تمنحه حضورًا زائفًا أو هوية سطحية، فتتحول الجامعة إلى ساحة اجتماعية يغيب عنها جوهر العلم والرسالة.

ثالثاً: البيئة الجامعية وثقافة الحوار

الجامعة ليست قاعاتٍ ومحاضرات فحسب، بل فضاءٌ تربويٌّ يُصاغ فيه الفكر، وتُبنى فيه الشخصية، وتُصقل فيه القيم. وحين تضعف أنشطة البحث العلمي وتتراجع أدوار الإرشاد الأكاديمي والاجتماعي، يسود الجدل الانفعالي ويغيب الاحترام المتبادل، فينحرف المسار من الحوار إلى التصادم، ومن الاختلاف الراقي إلى الخلاف المؤسف.

رابعاً: غياب الارتباط بسوق العمل

تعاني بعض التخصصات الإنسانية من ضعفٍ في الصلة بسوق العمل ومتطلبات التنمية الوطنية، مما ينعكس على معنويات الطلبة ويُفقدهم الإحساس بالهدف والجدوى. ولا شك أن ربط المناهج بواقع المجتمع، وإشراك الطلبة في مبادرات وطنية ومشروعات تنموية، يسهم في توجيه طاقاتهم نحو الإبداع والبناء لا نحو الصراع والجدال.

خامساً: الحلول المقترحة – نحو جامعة راشدة وطلبة فاعلين

1. إعادة هيكلة المناهج الإنسانية

لتغدو أكثر عمقًا وتحليلاً، قائمة على التفكير النقدي، والتحليل الميداني، وربط المعرفة النظرية بقضايا الوطن والمجتمع.

ويُستبدل التلقين بالمناقشة، والاستظهار بالبحث، والسطحية بالتحليل العلمي الرصين.

2. إلزامية المشاريع البحثية السنوية

بحيث يُكلف كل طالب بمشروع بحثي أو تطبيقي يخدم قضايا المجتمع، ويُقيَّم على جهده الميداني والفكري، ليشعر بقيمة ما يقدّمه، ويكتسب مهارات التعاون والعمل الجماعي.

3. تفعيل الإرشاد الأكاديمي والاجتماعي اليومي

عبر تحويل العلاقة بين الأستاذ والطالب إلى علاقة توجيه وتربية فكرية، تقوم على المتابعة المستمرة والرعاية الإنسانية، مع تطبيق نظام إنذار مبكر لرصد المظاهر السلوكية السلبية ومعالجتها تربويًا.

4. تعزيز التكامل بين الكليات العلمية والإنسانية

من خلال مشاريع بحثية مشتركة تعالج قضايا وطنية مثل البيئة والسلوك المجتمعي والتحول الرقمي، بما يخلق بيئة تفاعلية علمية تُذيب الفوارق وتُثري الفكر الجامعي.

5. إدراج منهج الإتيكيت المجتمعي والوظيفي والرسمي

ليُدرّس ضمن متطلبات الجامعة العامة، فيغرس في الطلبة فنون التعامل الراقي، واحترام المؤسسة والزملاء، وآداب المهنة، وأسس الحوار الحضاري، بما يُعيد للجامعة صورتها النموذجية كمكان للعلم والسلوك القويم.

6. غرس قيم الولاء والانتماء

عبر مقررات وأنشطة تُرسّخ حب الوطن (المملكة الأردنية الهاشمية) والإخلاص لترابه وقيادته، وتؤكد طاعة وليّ الأمر جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، والاعتزاز بالراية الهاشمية الرشيدة.

7. الاعتزاز بالعشيرة والانتماء الأكاديمي

فالعشيرة الأردنية كانت وما زالت منبع القيم والنخوة والاحترام، وينبغي أن تُستعاد هذه القيم في معناها الإيجابي: التعاون، الكرامة، والإيثار، لا العصبية.

كما يجب أن يُغرس في الطلبة حب جامعتهم، والسعي الدؤوب لرفع اسمها إقليميًا ودوليًا، والالتزام بقوانينها وأنظمتها لترتقي إلى مصافّ الجامعات العالمية علميًا وإداريًا وقياديًا ورياديًا.

8. ترسيخ ثقافة البحث والحوار الراقي لأن الطالب الذي يُفكر ويُحلل ويبحث لا يملك وقتًا للعنف أو العصبية، فالعقل المشغول بالعلم لا يسكنه الفراغ، والباحث الحقيقي لا يعلو صوته إلا بالحجة.

خاتمة

إن المشاجرات الطلابية ليست مجرد أحداث عابرة، بل مؤشّر على خللٍ في منظومة التعليم الجامعي.

وحين نملأ عقول الطلبة بالعلم، وقلوبهم بالوطن، ونُعلّمهم أن القيادة الهاشمية هي قدوة الحكمة والانتماء، سنصنع جيلًا لا يرفع صوته في الساحات، بل يرفع راية الأردن في الميادين العلمية والإنسانية.

فالجامعة لا تُبنى بالشعارات، بل بالعقول التي تفكر، وبالقلوب التي تحب وطنها وتخدمه بإخلاص.

حفظ الله الأردن قيادةً وشعبًا، وحفظ لنا الأمن والأمان تحت الراية الهاشمية الرشيدة، لا حرمنا الله منها.

مدار الساعة ـ