أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات خليجيات مغاربيات دين بنوك وشركات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الحواتمة يكتب: من هو الأردن؟


المهندس محمد العمران الحواتمة

الحواتمة يكتب: من هو الأردن؟

مدار الساعة ـ

هو قصة أرض كتبت مجدها منذ فجر التاريخ، ونسجت ملامحها من البطولة والإيمان والكرامة. هو الأرض التي شهدت ملوكاً وأنبياء وصحابة وشهداء، واحتضنت الحروب والمعارك، وظلت عبر القرون ثابتة لا تنحني، مؤمنة أن الشرف لا يورث بالمال بل يصنع بالفعل والموقف.

ومن أعماق التاريخ يبرز اسم الملك ميشع المؤابي، الذي حكم مملكة مؤاب على أرض ذيبان في محافظة مادبا ، ودون على مسلته الخالدة كيف استعاد أرضه وكرامته . كان أول من كتب بمداد العزة على تراب الأردن ، معلناً أن هذه الأرض خلقت لتكون رمزاً للسيادة لا للخضوع وأن الأردني منذ أقدم العصور لا يعرف لغة الهزيمة . ومن ذيبان خرجت أولى كلمات الكبرياء الأردني التي ما زال صداها يتردد في كل جبل ووادي .

ثم في سهول هذه الأرض المباركة وقعت معركة طالوت وجالوت، حيث انتصر الإيمان على الطغيان وهزم داود عليه السلام جالوت بقدرة الله ، لتكون تلك اللحظة شاهداً على أن أرض الأردن كانت ولا تزال ميداناً تنتصر فيه العدالة على الظلم والإيمان على الجبروت . كانت تلك الصفحة الأولى في سجل طويل من الانتصارات التي حملت نور السماء على تراب الأردن .

وفي السنة الثامنة للهجرة، امتدت مسيرة النور إلى الجنوب الأردني، حيث وقعت غزوة مؤتة في أرض الكرك ، أول مواجهة بين المسلمين والروم . هناك وقف ثلاثة من خيرة القادة وهم : زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبدالله بن رواحة، واستُشهدوا جميعاً دفاعاً عن راية التوحيد . كانت مؤتة فجر البطولة الإسلامية على أرض الأردن ، ومهداً لأول تضحيات كتبت بدماء الصحابة على تراب الكرامة .

ومن مؤتة إلى الشمال دوت معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه ، حين انتصر جيش الإيمان على جيوش الروم ، فكانت نقطة التحول الكبرى في التاريخ الإسلامي . من اليرموك انطلق فجر الفتوحات ومن أرض الأردن انبعثت رسالة الإسلام إلى العالم . كانت اليرموك إعلاناً أن هذه الأرض بوابة النصر وحاضنة الفتح ومهد الرسالة .

ومع مرور القرون بقي الأردن وفياً لعروبته حارسا للجنوب والشمال ، لا تغيب عنه روح التضحية . ومع مطلع القرن العشرين ، انطلقت من رحم الصحراء الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف الحسين بن علي ، من نسل النبي الهاشمي ﷺ ، لتعيد للأمة كرامتها ووحدتها . ومن عبق تلك الثورة ولدت المملكة الأردنية الهاشمية على يد الملك المؤسس عبدالله الأول بن الحسين ، لتواصل رسالة العدل والحرية التي ورثها الهاشميون منذ فجر الإسلام .

ومنذ ذلك اليوم ظل الجيش العربي الأردني يحمل راية المجد يقاتل لا دفاعاً عن حدود فحسب ، بل عن كرامة أمة بأكملها . قاتل الأردنيون في فلسطين عام 1948 ، وارتوت أرض القدس واللد والرامة بدمائهم الزكية وسقط منهم شهداء لا تُحصى أسماؤهم ، لكن ذكراهم بقيت تنبض في قلب كل عربي حر . لم يعرفوا الراحة ، لأنهم آمنوا أن القدس أمانة في أعناق الرجال ، وأن الدفاع عنها واجب لا يزول .

وفي صباح الحادي والعشرين من آذار عام 1968 ، كتب الأردنيون فصلاً جديداً من البطولة في معركة الكرامة . حين حاول العدو الصهيوني اقتحام الأرض الأردنية كان الرد من رجال آمنوا أن الموت في سبيل الوطن حياة . بقيادة الملك الحسين بن طلال ، صد الجيش العربي العدوان ورده مهزوماً ، لتكون الكرامة أول نصرٍ عربيٍ بعد نكسة 1967 ، وأول دليل على أن في هذه الأمة ما زال قلب ينبض بالعزة والإباء .

ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الأردن عن أداء رسالته الكبرى، لا في الحرب ولا في السلم . حمل لواء الإنسانية في وجه المحن وفتح أبوابه لإخوانه الفلسطينيين منذ نكبتهم فاحتضنهم كأبناءٍ للوطن لا كضيوف . ثم استقبل السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين في أوج أزماتهم ، ومنحهم الأمن والكرامة رغم قلة الإمكانات وضيق الموارد . في زمن أغلق فيه كثيرون أبوابهم ، بقي الأردن يقول للعالم :

نحن من يفتح القلب قبل الدار ، لأن العروبة لا تختبر بالمال، بل بالموقف .

واليوم، يقف الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله، شامخاً في وجه العواصف ، مدافعاً عن فلسطين وعن القدس وعن غزة الجريحة . حين صمت الكثيرون ، كان الأردن وحده يرسل المساعدات من السماء متحدياً الحصار ، رافعاً صوته في الأمم المتحدة وكل محفلٍ دولي يقول : كفى للظلم ، كفى للقتل ، كفى للخذلان .

وفي كل خطوة ، يثبت الأردن أن إرث ميشع ومؤتة واليرموك والكرامة لم يكن حكاية من الماضي ، بل روحا تسري في الحاضر وتضيء المستقبل .

من هو الأردن؟

هو الملك الذي لا يساوم على الحق ، والجندي الذي لا يترك سلاحه ، والأم التي تودع ابنها فداء للوطن، والشعب الذي يقف رغم التعب ويقول نحمد الله ونمضي.

هو الأرض التي أنجبت الأبطال منذ آلاف السنين وبقيت حتى اليوم تحمل رسالة النور والكرامة والعدل.

هو الوطن الذي حين يذكر اسمه، ينحني التاريخ احتراماً وتفخر به العروبة كلها.

هذا هو الأردن…

من ميشع إلى غزة ، من النور الأول إلى الموقف الأخير ، وطنٌ لا يساوم ، ورايةٌ لا تنكسر.

مدار الساعة ـ