أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

العامري يكتب: من الخطأ إلى استعادة الثقة، كيف يصنع الاتصال الاستراتيجي المصداقية من جديد؟


العميد المتقاعد ممدوح سليمان العامري
مدير التوجيه المعنوي الأسبق.. مستشار ومتخصص في إدارة الاتصال الاستراتيجي

العامري يكتب: من الخطأ إلى استعادة الثقة، كيف يصنع الاتصال الاستراتيجي المصداقية من جديد؟

العميد المتقاعد ممدوح سليمان العامري
العميد المتقاعد ممدوح سليمان العامري
مدير التوجيه المعنوي الأسبق.. مستشار ومتخصص في إدارة الاتصال الاستراتيجي
مدار الساعة ـ

في زمن تتسارع فيه المعلومات، وتتشابك فيه الوسائط الإعلامية التقليدية والرقمية، باتت الكلمة الصادرة عن مسؤول عام أشبه بشرارة قادرة على إشعال موجة من الجدل أو الغضب المجتمعي. فالتصريحات الرسمية لم تعد تُقرأ بمعزل عن سياقها أو نيات قائلها، بل تُحلل وتُتداول وتُفسّر في لحظات. من هنا، تبرز أهمية إدارة الأخطاء التصريحية بمهنية واتزان، ضمن إطار الاتصال الاستراتيجي الذي يحول الأزمات إلى فرص لتعزيز الثقة والمصداقية.

حين يقع الخطأ، فإن الاعتراف السريع هو الموقف الأكثر نضجا ومصداقية. فالتأخر في التوضيح أو محاولة الإنكار يضاعف حجم الضرر. المطلوب هو اعتذار صادق وواضح يحدد الخطأ بدقة دون تبرير أو التفاف، يليه تصحيح فوري للمعلومة الخاطئة عبر القنوات ذاتها التي نُشر فيها التصريح. هذه الخطوات الأولى تمنح المؤسسة مصداقية، وتُظهر احترامها للجمهور والرأي العام.

بعد الاعتذار، يجب الانتقال إلى مرحلة التوضيح والاحتواء، ويتم ذلك عبر إصدار بيان رسمي يزيل اللبس ويقدم المعلومات الصحيحة، والتواصل المباشر مع الفئات المتأثرة بالتصريح، إلى جانب تفعيل القنوات الإعلامية كافة لضمان وصول الرسالة المصححة بوضوح.

الهدف هنا ليس فقط تصحيح المعلومة، بل إعادة ضبط المزاج العام وتبديد الانطباعات السلبية.

الثقة لا تُستعاد بالتصريحات فقط، بل بالفعل المستمر والشفافية، لذلك، من الضروري شرح كيفية حدوث الخطأ وإبراز الإجراءات المتخذة لتفادي تكراره، مع الاستمرار في الأداء الإيجابي الذي يعيد للمؤسسة مكانتها في نظر الجمهور. فالمصداقية تُبنى بالاتساق بين القول والفعل، لا بالإنكار أو التبرير.

كل أزمة اتصالية تحمل في طياتها درسًا ثمينًا، لذا ينبغي على المؤسسات إجراء تقييم شامل للأثر، ووضع خطة علاجية دقيقة، إلى جانب تطوير برامج تدريبية للمسؤولين والمتحدثين الرسميين لتعزيز مهارات التواصل مع الإعلام والجمهور، كما يُستحسن إنشاء آليات مراجعة للتصريحات الهامة قبل نشرها، لتفادي الأخطاء المستقبلية وتحقيق أعلى درجات الدقة والمسؤولية.

يُعد الاتصال الاستراتيجي الأداة الأهم في تحويل الأزمة من ضرر إلى فرصة، و تبدأ العملية بالتشخيص الدقيق عبر تحليل الجمهور وفهم تصوراته، ثم صياغة الرسائل التي تجمع بين الاعتذار والتصحيح والإيجابية.

وتتنوع أدوات التنفيذ بين البيانات الرسمية والمؤتمرات الصحفية والمنصات الرقمية، وصولًا إلى اللقاءات المباشرة مع أصحاب المصلحة والمؤثرين في الرأي العام.

كما يمكن توظيف تقنيات متقدمة مثل الإطار الإعلامي المناسب أو السرد القصصي لشرح التجربة بأسلوب إنساني يخفف من حدّة الموقف ويعزز القبول الجماهيري.

مبادئ النجاح في الاتصال خلال الأزمات

تختصر القاعدة الذهبية في الاتصال أثناء الأزمات بأربع كلمات:

السرعة، والشفافية، والتناسق، والاستمرارية.

فالسرعة في الرد تمنع تضخّم الخطأ، والشفافية تكسب احترام الجمهور، والتناسق بين الرسائل يضمن المصداقية، أما الاستمرارية فتعزز الثقة على المدى الطويل.

بعد انتهاء الأزمة، يجب على المؤسسة قياس التأثير الإعلامي والاجتماعي عبر تحليل التغطية الإخبارية، واستطلاعات الرأي، والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، فهذه المؤشرات لا تقيس فقط مدى احتواء الأزمة، بل تساعد في تحسين الأداء الاتصالي مستقبلاً.

الخطأ التصريحي، مهما بدا بسيطا، قد يفتح باباً واسعا لفقدان الثقة إن لم يُدار بحكمة.

لكن الاعتراف به، والشفافية في معالجته، والالتزام بالإصلاح، يمكن أن يجعل منه فرصة لتجديد الثقة وتعزيز العلاقة مع المجتمع.

ففي النهاية، لا يُقاس القائد أو المؤسسة بعدم ارتكاب الأخطاء، بل بقدرتهم على تحويلها إلى دروس ومساحات للنضج والمسؤولية.

مدار الساعة ـ