أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

البستنجي يكتب: التعلّم القيمي المتجذّر.. من المعرفة إلى الممارسة ومن السلوك إلى البناء الإنساني


إياد يوسف البستنجي

البستنجي يكتب: التعلّم القيمي المتجذّر.. من المعرفة إلى الممارسة ومن السلوك إلى البناء الإنساني

مدار الساعة ـ

سلسلة مقالات بداية العام الدراسي الجديد.

المرحلة الثالثة:

التمكين المعرفي والمهاري للمتعلمين.

▫المقال الثالث:

التعلّم القيمي المتجذّر: من المعرفة إلى الممارسة ومن السلوك إلى البناء الإنساني.

في هذه المرحلة من السلسلة، ينتقل التعليم من نقل المعرفة إلى صناعة الإنسان، حيث يصبح الهدف تمكين المتعلم فكريًا وسلوكيًا وقيميًا في آنٍ واحد.

فالتمكين الحقيقي لا يتحقق إلا حين تتجذّر القيم في السلوك اليومي داخل الصف، فيتحول التعلم إلى تجربة إنسانية متكاملة تُصنع فيها الشخصية والعقل والوجدان معًا.

القيم ليست شعارات تُعلَّق على الجدران، بل هي مبادئ تُعاش داخل الصف وخارجه.

إنّ التعلّم القيمي المتجذّر يربط المعرفة بالخبرة الحياتية، ويغرس القيم الإنسانية والأخلاقية في حياة المتعلمين بشكل مستدام، ليبني شخصيات متكاملة تجمع بين الفكر والسلوك والمسؤولية.

بهذه الرؤية، يصبح الصف بيئة حية لتشكيل الشخصية وبناء الإنسان القيمي.

⿡ مفهوم التعلّم القيمي المتجذّر

هو مدخل تربوي يدمج القيم بالمحتوى الدراسي والمواقف التعليمية بطريقة عملية، بحيث يتعلّم الطالب كيف يعيش ما يتعلمه.

يرتكز هذا التعلم على:

تعليم الطلاب كيفية التصرّف وفق قيم مثل الاحترام، المسؤولية، التعاون، والتفكير الأخلاقي.

تمكينهم من اتخاذ قرارات سليمة ومدروسة في حياتهم اليومية.

بناء شخصية متوازنة تجمع بين الفكر القيمي والسلوك العملي.

▫ الهدف: إعداد متعلّم متكامل يجمع بين المعرفة والقيم والعمل الصالح.

⿢ استراتيجيات صفية لتعزيز التعلّم القيمي

▫ المواقف الحياتية الواقعية:

قدّم قصصًا قصيرة أو مواقف من الحياة اليومية تدور حول قيمة محددة (كالصدق أو الاحترام).

مثال: استخدام فيديو قصير من منصة Edpuzzle وتحفيز النقاش حول السلوك القيمي المعروض.

▫ المشاريع المجتمعية الصغيرة:

إشراك الطلاب في أعمال تطوعية أو حملات بيئية داخل المدرسة لتعزيز قيمة المسؤولية والمواطنة.

مثال من المدارس الأردنية: مبادرة "مدرستي نظيفة بيدي" التي ينفّذها الطلبة أسبوعيًا لترسيخ روح المسؤولية الجماعية.

أداة داعمة: Google Classroom لتوثيق الأعمال وتصوير مراحل الإنجاز.

▫ النقاش والتفكير الأخلاقي:

استخدام أسئلة مفتوحة مثل: ماذا كنت ستفعل لو كنت في هذا الموقف؟

أداة مقترحة: Mentimeter أو Padlet لجمع الآراء وتوسيع الحوار.

▫ تمثيل الأدوار (Role Play):

محاكاة مواقف حقيقية ليختبر الطلاب كيفية اتخاذ قرار أخلاقي أو التعامل مع ضغط جماعي.

فائدة: ممارسة القيم بدلًا من حفظها.

▫ أنشطة التقييم الذاتي:

بطاقات أو أوراق عمل لتقييم مدى التزام الطالب بالقيم في سلوكه اليومي.

مثال: ملف الإنجاز القيمي لتوثيق تطور القيم عبر الفصل الدراسي.

⿣ أثر التعلّم القيمي المتجذّر على الطلاب

تعزيز الوعي الذاتي والاجتماعي وفهم مشاعر الآخرين.

بناء مهارات حياتية وأخلاقية تدعم النجاح الأكاديمي والاجتماعي.

غرس روح المسؤولية والمواطنة الإيجابية لدى الطلاب.

جعل التعلم ذا معنى وأثر مستدام في الفكر والسلوك.

وحين تتجذّر القيم في الممارسة اليومية، يتحول التعليم من عملية عقلية إلى تجربة إنسانية متكاملة تصنع الضمير وتوجّه الفعل.

⿤ دور المعلم في ترسيخ القيم

المعلم هو القدوة الحية التي تُترجم القيم إلى سلوك يومي داخل الصف:

قدوة في الفعل قبل القول: يمارس القيم ويعكسها في سلوكه مع طلابه وزملائه.

موجّه وميسّر: يساعد الطلاب على استكشاف القيم وفهم كيفية تطبيقها في الحياة.

مصمّم تجارب تعليمية: يبتكر أنشطة ومشاريع تربط القيم بالممارسة اليومية.

تحديات وحلول عملية:

ضيق الوقت: إدماج أنشطة قيمية قصيرة ضمن الحصة اليومية.

مقاومة بعض الطلاب: استخدام أساليب ممتعة ومكافآت رمزية.

قياس الأثر: استخدام استبانات قصيرة وملاحظات سلوكية وملفات إنجاز رقمية.

⿥ تطبيق أسبوعي عملي لتعزيز التعلّم القيمي

يمكن للمعلم أن يجعل أسبوعه الدراسي رحلة قيميّة متكاملة، تتنوع فيها الأنشطة اليومية بحيث تخدم كل يوم قيمة وسلوكًا محددًا:

الأحد: عرض موقف حياتي أو قصة قصيرة تلامس واقع الطلاب، لفتح نقاش حول قيم مثل الاحترام أو التعاطف، باستخدام فيديو قصير أو حوار صفّي تفاعلي.

الاثنين: تنفيذ مشروع خدمة صغيرة داخل المدرسة أو المجتمع المحلي، كتنظيم حملة نظافة أو مبادرة تعاون، لتأكيد قيمة المسؤولية والمشاركة المجتمعية، وتوثيقها عبر Google Classroom.

الثلاثاء: تطبيق نشاط تمثيل الأدوار لمحاكاة مواقف حقيقية تتيح للطلاب اختبار اتخاذ القرار الأخلاقي في مواقف ضاغطة.

الأربعاء: تخصيص جلسة للتفكير النقدي والحوار الأخلاقي المفتوح باستخدام أدوات رقمية مثل Padlet أو Mentimeter.

الخميس: جلسة للتأمل الذاتي ومشاركة الإنجازات، يعرض فيها الطلاب ما تعلّموه من القيم خلال الأسبوع من خلال ملف إنجاز رقمي أو حوار صفّي تأملي.

وهكذا، يتحوّل الأسبوع الدراسي إلى رحلة تربوية حية يعيش فيها الطالب القيم لا في الكلام، بل في الموقف والممارسة والتجربة.

▫ دمج التعلّم القيمي في المواد الدراسية

يمكن توظيف هذا النهج في مختلف المواد الدراسية:

في اللغة العربية: تحليل نصوص أدبية تعزز قيمة الصدق أو احترام الآخر.

في العلوم: مناقشة البعد الأخلاقي للتجارب العلمية وقضايا البيئة.

في التربية الإسلامية: ربط المفاهيم الشرعية بالممارسة اليومية والسلوك العملي.

في الاجتماعيات: تعزيز قيم المواطنة والانتماء والمسؤولية تجاه المجتمع.

▫ ملاحظة تربوية

لا يهدف هذا التنويع إلى كسر الروتين فحسب، بل إلى غرس عادة التفكير القيمي المستمر لدى كل من الطالب والمعلم، بحيث تصبح القيم جزءًا أصيلًا من حياة الصف وثقافته اليومية.

▪إنّ التعلّم القيمي المتجذّر يحوّل الصف إلى بيئة لتشكيل الشخصية والسلوك الأخلاقي، ويجعل كل موقف تربوي فرصة لغرس القيم بشكل مستدام.

فالمعلم الذي يغرس القيم يوميًا يبني أثرًا طويل المدى في حياة طلابه، ويسهم في صناعة جيلٍ واعٍ قادرٍ على اتخاذ القرارات الصحيحة.

القاعدة الذهبية:

المعلم الذي يغرس القيم، يصنع شخصية الطالب قبل أن يصنع المعرفة.

كل قيمة تُغرس هي خطوة نحو تمكين المتعلم في فكره وسلوكه، وبذرة تصنع مستقبلًا تربويًا أكثر وعيًا وإنسانية.

مدار الساعة ـ