أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

القاعود يكتب: العنف الجامعي.. ظاهرة تهدد المستقبل وتستدعي حلولًا إنسانية


الدكتور عبدالله يوسف القاعود

القاعود يكتب: العنف الجامعي.. ظاهرة تهدد المستقبل وتستدعي حلولًا إنسانية

مدار الساعة ـ

شهدت الساحة الجامعية الأردنية مؤخرًا واقعة عنف مؤسفة أدت إلى فصل عدد من الطلبة، مما أعاد إلى الواجهة الحديث عن ظاهرة العنف الجامعي التي تُعد من أكثر المشكلات خطورة على البيئة التعليمية، وعلى القيم التربوية التي يفترض أن تحتضنها الجامعات كمؤسسات للعلم والتنوير. فالعنف الجامعي ليس مجرد شجار عابر، بل هو سلوك مرفوض يهدد سلامة الطلبة، ويقوّض روح الانتماء والاحترام داخل الحرم الجامعي.

إن هذه الظاهرة تُلقي بظلالها على جميع أطراف المجتمع؛ فهي تؤثر سلبًا على نفسية الطلبة، فتخلق لديهم مشاعر الخوف، والقلق، وانعدام الأمان، وقد تدفع البعض إلى الانعزال أو ترك الدراسة. أما على صعيد الأسرة، فهي تعيش حالة من الصدمة والإحباط حين ترى أبناءها وقد تاهوا في درب العنف بدل سبيل العلم. والمجتمع بدوره يدفع ثمن هذه السلوكيات عبر إضعاف الثقة بمؤسساته التعليمية، وتنامي شعور القلق من فقدان القيم التربوية الأصيلة.

ومن المنظور النفسي والاجتماعي، يمكن القول إن أسباب العنف الجامعي متعددة؛ منها ضعف الوعي النفسي لدى الطلبة، غياب مهارات إدارة الغضب، ضعف الأنشطة الإيجابية التي تُنمّي الشخصية، وتأثير البيئة الأسرية والاجتماعية التي قد تُنمّي النزعة العدوانية لدى الشباب. وهنا تبرز الحاجة إلى دور الإرشاد النفسي الجامعي في تنفيذ برامج وقائية وعلاجية تهدف إلى تنمية مهارات الحوار، وضبط الانفعالات، وتعزيز الانتماء الإيجابي للجامعة.

كأخصائي نفسي ودكتور في الإرشاد النفسي والتربوي، أرى أن الفصل النهائي عقوبة قاسية قد تترك آثارًا نفسية عميقة على الطالب، مثل القلق، الشعور بالذنب، الخوف من المستقبل، وفقدان الثقة بالذات.كما أن العقوبة لا تمس الطالب وحده، بل تمتد لتؤذي أسرته التي ربما بذلت الكثير من أجل تعليمه.

وفيما يتعلق بقرار فصل 21 طالبًا على خلفية أحداث العنف الأخيرة، فإن هذا القرار يفتح بابًا للنقاش حول التوازن بين الإجراءات التأديبية والحقوق الإنسانية. فوفق مبادئ حقوق الإنسان، ولا سيما ما نصّت عليه المادة (26) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن التعليم حق أساسي لا يجوز حرمان أي فرد منه بصورة دائمة.

فالمؤسسات التربوية مطالبة اليوم بأن تكون أماكن للإصلاح والتقويم لا للعقاب فحسب، وأن تنتهج فلسفة تقوم على الردع المتوازن مع الرحمة، والعدالة الممزوجة بالفرص الثانية.

لذلك، فإن من منظور حقوق الإنسان والعدالة التربوية، من الأفضل اعتماد عقوبات تأديبية تدريجية، مثل الفصل المؤقت لفصل أو فصلين دراسيين، مع إلزام الطلبة بحضور جلسات إرشادية وتطوعية داخل الجامعة. فالمعالجة يجب أن تكون إصلاحية، وتهدف إلى تصحيح السلوك لا تدمير المستقبل.

في النهاية، يبقى العنف الجامعي ناقوس خطر يجب أن يدفع الجامعات والمجتمع معًا إلى تبنّي برامج توعوية وإرشادية مستمرة تُعزّز ثقافة الحوار، وتحول الطاقة الشبابية إلى إبداع وبناء بدل صراع وهدم. فالشباب هم قوةالوطن، ومن واجبنا أن نوجّههم لا أن نحكم عليهم بالضياع.

مدار الساعة ـ