أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

النجار يكتب: 'نعم، أقلق… لكن لا أخاف إلا الله، وفي ظهري أردني'


إياد عبد الفتاح النجار
الأمين العام لحزب القدوة الأردني

النجار يكتب: 'نعم، أقلق… لكن لا أخاف إلا الله، وفي ظهري أردني'

إياد عبد الفتاح النجار
إياد عبد الفتاح النجار
الأمين العام لحزب القدوة الأردني
مدار الساعة ـ

لم يكن صباح السادس والعشرين من تشرين الأول يوماً عادياً في عمر الدولة الأردنية، بل كان صباحاً يتجدّد فيه العهد بين القيادة والشعب. كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش السامي لم تكن خطاباً بروتوكولياً باردًا، بل نبضاً وطنياً حياً يعيد رسم اتجاه البوصلة، ويضع الأردنيين جميعاً أمام مسؤولياتهم تجاه وطنهم ومستقبلهم. كان الصوت الهاشمي، كعادته، واضحاً حازماً مطمئناً، يوجّه رسالة عميقة بأن الأردن ماضٍ في طريقه بثقة، وأن مسيرة التحديث التي يقودها جلالته لن تتوقف مهما كانت التحديات.

في هذا الخطاب، الذي ألقاه جلالته في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، بدت ملامح الرؤية الملكية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. فالملك تحدث بثقة القائد المؤمن بشعبه، وبوعي من يدرك تعقيدات المرحلة وتحولاتها، لكنه في الوقت ذاته يؤمن بأن الأردن يمتلك القدرة على تجاوزها إذا ما بقيت الإرادة الوطنية متماسكة كما كانت دوماً.

ركز جلالة الملك على مسيرة التحديث الوطني، بمشاركة جميع مؤسسات الدولة وبتناغم مع جهود سمو ولي العهد الأمير الحسين ابن عبدالله الثاني، تأكيداً على أن الإصلاح الشامل بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية ليس ترفاً ولا خياراً مرحلياً، بل هو قدر وضرورة لبقاء الدولة قوية ومتجددة. وقد شدد جلالته على أن التحديث لا يتحقق بالشعارات، وإنما بالفعل والعمل، وأن الرهان الحقيقي هو على وعي الأردنيين وقدرتهم على المشاركة الفاعلة في بناء المستقبل.

وقد أكد جلالة الملك على دور ولي العهد في متابعة تنفيذ مسارات التحديث، ودعم الشباب وتمكينهم في مواقع المسؤولية، ليبقى الأردن دولة فتية بروحها، عميقة بجذورها.

وفي سياق الشأن السياسي، دعا جلالته إلى ترسيخ الحياة الحزبية والبرلمانية، وإلى تعميق التجربة الديمقراطية بوصفها ضمانة لاستمرار الدولة الحديثة. كانت الرسالة الملكية واضحة بأن المشاركة السياسية هي السبيل الحقيقي لبناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، وأن الإصلاح السياسي لا يكتمل إلا عندما تصبح الأحزاب برامجية وتمثل تطلعات الأردنيين لا مصالح الأفراد.

أما في الجانب الاقتصادي، فقد حمَل الخطاب الملكي توجيهات بالاستمرار في برامج النمو والتنمية وتوفير فرص العمل وتحفيز الاستثمار في جميع المحافظات، بما يحقق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية. وأكد جلالته أن الأردن، رغم محدودية موارده، يمتلك من الإرادة والعزيمة ما يمكّنه من تحقيق الإنجاز إذا توفرت الشراكة الصادقة بين القطاعين العام والخاص. كما شدد على محاربة الفساد، وصون المال العام، وتحسين الخدمات الأساسية، لأن التنمية الحقيقية لا تُقاس بما يُعلن من أرقام، بل بما يلمسه المواطن من أثر إيجابي في حياته اليومية.

وعلى الصعيد الإقليمي، جدد جلالته الموقف الأردني الثابت تجاه القضية الفلسطينية، مؤكداً أن دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني هو التزام تاريخي وأخلاقي، وأن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف ستبقى أمانة في عنق الهاشميين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذه الرسائل المتكررة ليست مجرد مواقف سياسية، بل تعبير عن ثبات الأردن على نهجه المبدئي في الدفاع عن العدالة ورفض أي مساس بحقوق الشعب الفلسطيني.

الخطاب لم يخلُ من البعد الإنساني والاجتماعي، إذ دعا جلالته إلى ترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الثقة بين أبناء الوطن الواحد، والتعامل مع التحديات بعقل الدولة لا بعواطف اللحظة. فقد ذكّر الأردنيين بأن تماسكهم هو سر بقائهم، وأن الأردن، مهما اشتدت عليه الأزمات، سيبقى صلباً بإيمانه وعدالته وانتماء شعبه.

خطاب العرش لهذا العام جاء مختلفاً في نبرته ومضمونه؛ إذ جمع بين الواقعية والطموح، بين المكاشفة والثقة. هو خطاب حمل رسالة أمل ومسؤولية في آنٍ واحد، إذ وضع الجميع أمام واجب العمل لا الانتظار، والإنجاز لا التبرير. فقد عبّر جلالته بوضوح عن رؤيته للدولة القوية الحديثة التي تقوم على القانون، والمؤسسات الفاعلة، والمواطن المنتج والمشارك.

إن ما طرحه جلالة الملك في هذا الخطاب يتطلب من الجميع، حكومةً وبرلماناً ومؤسساتٍ ومواطنين، أن يترجموا هذه الرؤية إلى واقع ملموس، من خلال العمل الجاد والالتزام والرقابة. فالتحديث الذي دعا إليه جلالته ليس مشروع حكومة واحدة أو دورة برلمانية محددة، بل هو مسار وطني طويل الأمد يحتاج إلى المثابرة والاستمرارية والشفافية.

لقد وضع جلالة الملك، كعادته، النقاط على الحروف، موجهاً بوصلة الدولة نحو المستقبل بثقة القائد الذي يرى أبعد مما نرى، ويؤمن أن الأردن لا يُقاس بحجمه الجغرافي، بل بمكانته ودوره ورسالته. ومن هنا، فإن خطاب العرش السامي لعام 2025 ليس مجرد وثيقة افتتاحية لدورة برلمانية، بل هو خارطة طريق جديدة لمسيرة وطن أراد له قائده أن يبقى منارة استقرار ونموذجاً في القيادة والحكمة والعطاء.

مدار الساعة ـ