أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

نوادي المعلمين حينما تنبت الحياة من رماد الشعارات وتنهض الكرامة من تحت الركام!


أحمد سعد الحجاج
صحفي أردني

نوادي المعلمين حينما تنبت الحياة من رماد الشعارات وتنهض الكرامة من تحت الركام!

أحمد سعد الحجاج
أحمد سعد الحجاج
صحفي أردني
مدار الساعة ـ

في زمنٍ أُجهضت فيه النقابة على أيدي من ادّعوا حمايتها، وذُبحت فيه المهنية على مذبح الشعارات، تنهض نوادي المعلمين كفسائل أملٍ في أرضٍ أُرهقت من الجدل، وظمئت إلى الفعل. تنهض لتعيد التوازن حين اختل، وتمنح المعلم مساحةً حين ضاقت عليه الساحات، وتستعيد الصوت حين خفتت أصداؤه، وتفتح الأبواب حين أُغلقت داره.

أيها الزملاء والزميلات، على امتداد ساحات الوطن الغالي،

الوطن العزيز، الوطن الذي لا يُقاس بالحدود بل بالقلوب التي تنبض باسمه لقد آن الأوان أن نعيد تعريف الانتماء، لا عبر هتافٍ عابر، ولا عبر منصاتٍ تُدار بالتحريض، بل عبر مؤسساتٍ تُدار بالعقل، وتُبنى بالحب، وتُسقى بالعمل. نوادي المعلمين ليست صالاتٍ للترفيه، ولا مقارّ للصور التذكارية، بل هي منصاتٌ وطنيةٌ خالصة، تُدار بعقولٍ من رحم الوطن، وبسواعدٍ من صلب المعلم. هي الحاضنة التي تعيد للمعلم هيبته، ولرسالته ألقها، ولصوته صداه.

وإننا إذ نكتب عن التعليم والمعلمين، فلا بد أن نرفع الهامة إجلالًا للقيادة الهاشمية الحكيمة، التي ما توانت يومًا عن دعم المعلم، ولا ترددت لحظة في جعل التعليم أولوية وطنية سامقة. فجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، هو الراعي الأول لمسيرة التعليم، وهو من قال ذات يوم: "المعلم هو حجر الأساس في بناء الوطن"، فكانت كلماته نبراسًا، وتوجيهاته منهاجًا، ورؤيته خارطة طريقٍ نحو التمكين والنهضة. وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله، حفظه الله، يسير على ذات النهج، يحمل في قلبه نبض الشباب، وفي رؤيته أمل الغد، وفي دعمه للمعلم إيمانٌ بأن بناء الإنسان هو أعظم استثمارٍ في مستقبل الأوطان.

لقد أثبتت التجربة أن من أرادوا للنقابة أن تكون منبرًا حزبياً، جرّوا جسدها إلى حلبة الصراع، حتى أُنهكت، ثم أُدخلت غرفة الإنعاش، ثم أُعلنت وفاتها... لا بقرارٍ رسمي، بل بتصرفاتٍ رعناء، وتجاوزاتٍ منفلتة، ومواقفٍ متعجرفة. أتذكرون يوم وقفتم أمام المايكروفونات، وقلتم: "نحن الدولة"؟ يومها، التقطت المرجعيات العليا هذا التصريح، وقرأته قراءةً عميقة، ففككت رموزه، وعرّت مقاصده، وأدركت أن من يلبس ثوب الدولة زورًا، لا يؤتمن على مؤسسةٍ نقابية.

أتذكرون حين خولتم أنفسكم أوصياء على أموال المعلمين، وتبرعتم من صندوقهم دون استئذانهم؟ أي شرعٍ هذا؟ وأي تفويضٍ ذاك؟ كيف تؤتمنون على صوت المعلم، وأنتم لم تصونوا ماله؟ أتذكرون الإضراب؟ حين أُغلقت المدارس وتحوّلت الساحات إلى منابر صراع، والطلاب إلى متسكعين في الطرقات؟ أي ميثاقٍ تربويٍّ يجيز حرمان الطالب من حقه في التعليم؟ أين كان الحوار؟ أين كانت الحكمة؟ أين كانت مصلحة الوطن؟

واليوم... تعودون لتقزّموا من دور نوادي المعلمين، وتقللوا من شأنها، وتشككوا في نواياها. ولكن هيهات أن تُطفأ شمعةٌ أوقدها المخلصون، وهيهات أن يُطفأ صوتٌ خرج من قلب المعلم، وهيهات أن يُحجب نورٌ انبثق من رحم الوطنية الصافية. فنوادي المعلمين اليوم، ليست مجرد مبانٍ، بل هيبَةٌ تُبنى، وكرامةٌ تُصان، ورسالةٌ تُستعاد. نادي معلمي جرش ونادي معلمي مادبا، شاهدان على أن العمل الجاد لا يحتاج إلى ضجيج، وأن الوطنية لا تُقاس بعدد اللافتات، بل بعدد الأيادي التي تبني.

وإننا إذ نبارك لزملائنا في جرش ومادبا هذا الإنجاز، فإننا نبارك لأنفسنا عودة الروح إلى الجسد، وعودة المعلم إلى موقعه الطبيعي في قلب المشهد التربوي. وإن من يقف خلف هذا الحراك النبيل، رجالٌ صدقوا ما عاهدوا عليه الوطن، وعلى رأسهم معالي وزير التربية والتعليم الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، الذي يقود السفينة بهدوء القائد، وببصيرة رجل الدولة، ويمنح المساحات لمن يعمل، لا لمن يصرخ. ومعه الأمناء العامون في الوزارة، كلٌّ في موقعه، وكلٌّ في جهده، وكلٌّ في إخلاصه، وعلى رأسهم عطوفة الأمين العام للشؤون التعليمية الدكتور نواف العجارمة، الذي لا يُذكر التعليم إلا ويُذكر اسمه قرينًا له، ولا تُذكر الميدان إلا ويُذكر حضوره فيها، رجلٌ إذا حضر أنصتت القاعات، وإذا تكلّم صمتت الشعارات.

ولا يفوتنا أن نُشيد بالدور الحيوي الذي ينهض به الأستاذ عبدالحكيم الشوابكة، مدير النشاطات التربوية، الذي أعاد للنشاط التربوي روحه، وللعمل الميداني نبضه، فكان حضوره في كل فعالية بمثابة توقيعٍ على صدق النوايا. كما نرفع القبعة للأستاذ إبراهيم عساف، مدير أندية المعلمين، الذي لا يُدير مؤسسةً بل يصوغ رؤية، ولا يُشرف على مبانٍ بل يزرع روحًا، رجلٌ آمن أن النادي ليس جدرانًا بل كيانٌ حيٌّ يتنفس طموح المعلمين.

أيها المعلمون والمعلمات، في كل محافظةٍ وقريةٍ ومدينة... آن الأوان أن نعيد ترتيب الصفوف، لا خلف شعاراتٍ مستهلكة، بل خلف مؤسساتٍ تُدار بعقلٍ وطنيٍّ مسؤول. سجّلوا في نواديكم، انتسبوا، شاركوا، ابنوا، وكونوا جزءًا من الحراك الحقيقي الذي يعيد للمعلم مكانته، لا عبر المايكروفونات، بل عبر الفعل. لا تترددوا، فالنادي ليس مجرد بطاقة انتساب، بل هو انتماءٌ لفكرة، وولاءٌ لرسالة، ومشاركةٌ في صناعة الغد. لا تنتظروا أن يُقال لكم "هلمّوا"، بل كونوا أنتم من يقول: "ها نحن ذا". فكل معلمٍ لا ينتسب لناديه، كمن يترك بيته مفتوحًا للريح، ويغفل عن موقده حين يشتد البرد.

من أراد أن يبني، فليأتِ إلى النادي ومن أراد أن يهدم، فليبتعد عن الطريق... فقد تعب المعلم من الشعارات، واشتاق إلى الفعل. وإن كانت النقابة قد وُئدت، فالنادي اليوم يولد فكونوا مع الولادة

لا مع النحيب على قبرٍ أنتم من حفرتموه بأيديكم

ثم جلستم تبكونه وكأنكم لم تكونوا من أطفأ أنفاسه.!!!

كتبها: أحمد سعد الحجاج

مدار الساعة ـ