قال الله تعالى في محكم التنزيل:
( أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ﴾(البقرة: 100)* *﴿ الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون ﴾(الأنفال: 56) هاتان الآيتان الكريمتان ترسمان ملامح سلوك متجذر في تاريخ بني إسرائيل، ألا وهو *نقض العهود والمواثيق.وهي الصفة التي لا تزال تلازمهم في تعاملهم مع الأمم والشعوب إلى يومنا هذا، وتتجلى بأوضح صورها في فلسطين وغزة.من التاريخ إلى الواقع منذ عهد موسى عليه السلام، تكررت مواقف الغدر والخيانة من بني إسرائيل؛ نقضوا عهودهم مع الله، وبدّلوا كلامه، وقتلوا أنبياءه. ولمّا قامت دولة الاحتلال في فلسطين عام 1948، أعاد اليهود ذات السلوك، ولكن بثوبٍ جديد. تاريخهم السياسي الحديث حافل بالعهود المنقوضة: من اتفاقيات الهدنة إلى اتفاقيات أوسلو، لم يلتزم الاحتلال بميثاق ولا بتعهد. بل استخدم كل اتفاق كجسرٍ جديدٍ للتوسع واغتصاب الأرض، وتثبيت واقعٍ يقوم على القهر والظلم.وكانت غزة... عنوان الكرامة والصمود ففي غزةتتجلى الحقيقة القرآنية في أن هؤلاء القوم: (ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون).فبعد كل هدنةٍ يعلنونها، يعودون إلى القصف والعدوان، وكأن الدم الفلسطيني مباح، وكأن الدمار هو لغتهم الوحيدة. لقد تحولت غزة إلى رمزٍ للكرامة والصمودوإلى مدرسة تُعلِّم العالم معنى الثبات والإيمان رغم الجراح والحصار والجوع. وهناك أطفال بلا دواء، ونساء بلا مأوى، وشباب يقاومون بأرواحهم ودمائهم لأنهم يؤمنون أن الحق لا يُموت وإن تُرك وحيدًا.وكل العالم المتحرر شاهد افعال الاحتلال وازدواجية خطابه حين يتحدثو قادة الكيان عن “السلام” و“الدفاع عن النفس”، بينما يقصفون المساجد والمستشفيات والمدارس. يتحدثون عن “القيم الإنسانية”، وهم من يرتكب المجازر أمام أعين العالم دون رادع أو خجل. إنها الازدواجية التي حذّر منها القرآن حين وصف قلوبهم بالقسوة، فقال تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ﴾(المائدة: 13)وواجب الأمة أمام هذا المشهدما يحدث في فلسطين وغزة ليس مجرد نزاعٍ سياسي، بل هو قضية عقيدة وشرف وإنسانية*. إنها اختبارٌ للأمة: هل تبقى متفرجةً على قتل الأطفال وتدمير البيوت، أم تنهض بدورها الإيماني والإنساني؟قال تعالى: * وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان... ﴾(النساء: 75) إن نصرة المظلومين، والدفاع عن الحق، ودعم أهل غزة بكل الوسائل الممكنة، ليست ترفاً، بل واجب شرعي وأخلاقي.وسيبقى الاحتلال مهما تجبّر صفحةً عابرة في كتاب التاريخوسينتصر الشعب الفلسطيني لأن وعد الله لا يُخلف: وستبقى غزة، رغم الجراح، تنطق بلسان الثبات والعزّة: *﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ﴾*