مدار الساعة - يقدم الكتاب (الدليل) الجديد الذي ألفه الدكتور محمد أبو رمان (وأصدره معهد السياسة والمجتمع) تصورات نظرية وتطبيقية لكيفية بناء السياسة الوطنية للشباب، بصورة تكون نموذجية وتراعي الممارسات الفضلى الموصى بها من قبل المؤسسات الدولية المتخصصة والمطبقة من قبل العديد من الدول المتقدمة في العالم، سواء على صعيد الفلسفة والمعايير أو حتى على صعيد الإجراءات والخطط التنفيذية لهذه الاستراتيجيات والسياسات الوطنية.
ينطلق الكتاب من التحول المهم الذي حدث في منظور العديد من الحكومات العربية لجيل الشباب، بخاصة منذ أحداث الربيع العربي 2011، إذ كان ينظر قبل ذلك، عموماً، إلى الشباب من منظور المتلقي للسياسات، وتصاغ السياسات – غالباً- من زوايا متعلقة بالرياضة وأوقات الفراغ أو حتى بعض الاعتبارات التنموية، لكن مع الربيع العربي والحراك الشبابي تحولت هذه النظرة وتغيرت السياسات والمؤسسات التي تقوم على صياغتها وتنفيذها، وهو أمر توازى وتزامن مع التحول في الاهتمام الدولي كذلك، ووجود العديد من الوثائق الدولية المتعلقة بالشباب والسياسات الشبابية وازدياد دور المنظمات الدولية والعالمية بهذا الخصوص، كما أصبح هنالك اهتمام جديد ومختلف من قبل جامعة الدول العربية لموضوع الشباب والسياسات الشبابية.وبالرغم من أنّ هنالك تحولات ملحوظة في هذا الاهتمام العربي، على صعيد السياسات الوطنية للشباب، وازدياد نسبي كبير في عدد الحكومات العربية التي أصبحت معنية بصياغة سياسات شبابية، ووجدنا أيضاً دوراً داعماً لمنظمات دولية مثل اليونسيف واليونسكو ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية وللسكان، إلاّ أنّ هنالك فجوات كبيرة ما تزال في الخطط والسياسات والاستراتيجيات الوطنية للشباب، إما على مستوى الصياغة والبناء أو حتى على آليات التنفيذ والرقابة والمؤشرات الواقعية التي من خلالها يفترض أن تتم عملية التأكد من تطبيق تلك الخطط والسياسات الوطنية. إذاً الكتاب- الدليل الجديد يتناول الأسس النظرية والمنهجية الواقعية النموذجية لبناء السياسات الوطنية للشباب وتطبيقها بصورة فاعلة. يبدأ الفصل الأول بإعادة تعريف مفهوم الشباب وفلسفة التعريف، والاعتبارات السيكولوجية والفسيولوجية والسوسيولوجية والاقتصادية والوطنية التي تتداخل في هذا التعريف، واختلاف تحديد السن من دولة إلى أخرى، وهي مسألة، كما يشير المؤلف، من المفترض ألاّ تكون عشوائية أو اعتباطية، فمثلاً سن البلوغ في دول أسرع من دول، وسن العمل والزواج والدراسة ونسبة الطلاب إلى العاملين وهكذا، عندما تحدد دولة معينة سنّ الشباب فمن الضروري أن يتأسس ذلك على السمات الخاصة بها.يناقش الفصل الثاني التحديات والسياقات الراهنة في العالم العربي المحيطة بجيل الشباب، يتناول الجانب الأول مفهوم الفرصة السكانية ونسبة الشباب في العالم العربي، ثم ينتقل إلى المشكلات الرئيسية التي تواجه الشباب من الإقصاء السياسي والاقتصادي والمخدرات والتطرف وأزمة الهوية الوطنية وتأثير الحروب والصراعات الإقليمية والداخلية على جيل الشباب. أما الجانب الثالث فيتطرق إلى تحدي الفجوة التكنولوجية والتعليمية لدى الجيل الجديد من الشباب في العالم العربي، من ضعف التعليم الرقمي والتكنولوجي وضعف البنية التحتية الرقمية، ومحدودوية التدريب والمهارات الرقمية وغياب بيئة البحث والابتكار.. الفصل الثالث يتناول التعريف بمفهوم السياسات الوطنية للشباب وفلسفتها والمرجعيات وتطورها بصورة عامة، ويخلص الفصل من التعريفات العلمية والعالمية والمؤسسية الدولية والإقليمية إلى مجموعة من المضامين التي من المفترض أن تكون موجودة في السياسات الوطنية للشباب مثل معيار القيم والمفاهيم والمرجعيات التي تتأسس عليها، والهوية الوطنية ودور الشباب في التنمية والأهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها مع الشباب وتعريف الأولويات والقضايا التي ترى الدولة أنها مهمة والمشكلات والتحديات التي تواجه جيل الشباب والمؤسسات والبرامج المعنية بجيل الشباب وكيفية تحقيق ذلك..ينتقل الفصل الرابع إلى بناء السياسة الوطنية للشباب (المعايير، المسار والتحديات) ويؤطر الممارسات الفضلى في هذا المجال، ويجملها بوجود سلطة حكومية واضحة المعالم، وتحديد الفئات المستهدفة (وهنا ضرورة مراعات التقسيم العمري والشمولية في صوغ السياسات الوطنية والأخذ بمبدأ "عدم ترك أحداً خلفنا)، والشباب من ذوي الإعاقة وفي الريف والعشوائيات والمناطق المهمشة، والشباب خارج نطاق التعليم والتدريب والعمل (NEETs) والمتأثرين بالنزاعات والتهجير والنزوح والأقليات العرقية والدينية والشابات المعرضات للعنف والإقصاء والشباب ممن هم في نزاع مع القانون وفي مراكز الإصلاح والتأهيل. كما تؤكد المعايير الفضلى على أهمية التكافوء والعدالة في الفرص بين الشباب والأخذ بعين الاعتبار التنوع في المهارات والتخصصات، وأهمية الشفافية في صناعة السياسات من خلال توفير المعلومات بشكل ملحوظ وواضح عن المشاركين في إعداد السياسات والمعلومات التي استندت إليها، وهذا وذاك لا يتم إلا من خلال إشراك الشباب في صياغة الاستراتيجية بصورة عادلة وتمثيلية واضحة، إتاحة الوصول إلى المعلومات والتواصل المستمر خلال إعداد السياسة واستخدام تقنيات مرئية وتقارير دورية.. ثم من المهم، كما يشير المؤلف، أن تكون السياسة الوطنية مبنية على البحث العلمي والحقائق الواقعية، وأن تستند إلى الدراسات والبيانات الدقيقة، من تطوير مؤشرات قياس واقعية ودراسات متخصصة واستطلاعات رأي ومجموعات مركزة ومسوحات، كما من الضروري أن تصوغ السياسة الوطنية أهدافاً يمكن تحقيقها وقياس مدى ذلك، وأن تكون عملية وشاملة. كما يشير الكتاب إلى أهمية البيئة المحيطة بالشباب و"سياسات التحفيز" لإنجاح الصياغة والتنفيذ، وبدون ذلك لن تكون السياسة الوطنية للشباب فاعلة، ومن الأساليب التحفيزية المطلوبة؛ تأييد صناع القرار، توفير حوافز اقتصادية واجتماعية ودور الإعلام ومشاركة الشباب أنفسهم، ودعم القطاعات المؤثرة من رجال دين وأكاديميين وإعلاميين وفنانين. ينتقل الفصل الخامس إلى الإجراءات العملية في تصميم السياسة الوطنية للشباب ويحددها بستة إجراءات رئيسية مع الشرح والتوضيح لكل واحد منها عملياً ولما يمكن أن يعترضه من تحديات وإشكاليات؛ وهي: تشكيل لجنة وإجراء ورش عمل ودراسات واشراك الشباب وأصحاب المصلحة وجمع المدخلات وتطوير مسودة أولية ثم إنشاء استراتيجية واطنية.. يقودنا ذلك إلى الفصل السادس من الدليل ويتناول الخطة التنفيذية وكيفية تصميمها وهي التي تجيب على الاسئلة الرئيسية؛ من يقوم بماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟ وتتعرض الخطة إلى الاهداف المرحلية والفرعية والانشطة والجهات المعنية بتحقيق ذلك وتحديد الفئات المستهدفة ورسم خارطة التحديات والصعوبات وكيفية مواجهة ذلك ، ويشترط بالخطة أن تكون شاملة ومتكاملة في تحقيق السياسة وضمان التنسيق والتعاون بين المنفذين واصحاب المصلحة والشباب وضمان التمويل والمؤشرات الواعية كمياً ونوعياً.يذكر أن مؤلف الكتاب هو د. محمد أبو رمان وأستاذ أكاديمي متخصص في النظرية السياسية وله إسهامات عديدة في مجال الدراسات المعنية بالشباب، كما أنه شغل موقع وزير الشباب في العام 2018-2019، وهو المستشار الأكاديمي لمعهد السياسة والمجتمع..إصدار جديد لمعهد السياسة والمجتمع بعنوان 'كيف تصنع سياسة وطنية ناجحة للشباب'؟
مدار الساعة ـ











