مدار الساعة -شهد العالم عبر عقود سلسلة من عمليات الإعدام التي تحوّلت إلى كوارث مأساوية، بعدما فشلت بعض الوسائل الحديثة التي رُوّج لها على أنها سريعة وغير مؤلمة في تحقيق الهدف المرجو منها خلال عملية تحقيق العدالة.
وأظهرت هذه الوقائع الممتدة من القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي والعشرين أن محاولة جعل الموت منظماً أو رحيماً لم تنجح بشكل كامل، وأن كل وسيلة إعدام، مهما بدت دقيقة أو علمية، قد تتحول في لحظة إلى أداة تعذيب بطيئة وعلنية.فمثلاً في عام 2014، تحوّلت عملية إعدام كلايتون لوكيت بولاية أوكلاهوما الأمريكية إلى فضيحة كبرى، فقد تقرر آنذاك تطبيق نظام الحقن المميتة الجديد في إعدامه، بعد إدانته باختطاف فتاة في التاسعة عشرة من عمرها وضربها ودفنها حيّة.غير أن التنفيذ انهار منذ لحظاته الأولى؛ إذ انزلقت الإبرة في منطقة الفخذ وخرجت من الوريد، فتسرّبت المواد الثلاث (ميدازولام، بروميد الفيكورونيوم، وكلوريد البوتاسيوم) إلى الأنسجة بدلاً من الدم.حينها فشل المخدّر في تهدئته، وبدأ لوكيت يتلوّى محاولاً التحدث، فيما صرخ الصحافيون خلف الزجاج من المشهد المرعب، وبعد 43 دقيقة من العذاب، أُسدل الستار داخل القاعة، حيث مات الرجل بأزمة قلبية في النهاية.ولم تمضِ سوى سنة واحدة حتى تكرّر الخطأ ذاته في الولاية نفسها، ففي يناير (كانون الثاني) 2015 أُعدم تشارلز وارنر، المدان باغتصاب وقتل طفلة في التاسعة من عمرها، حيث بدا التنفيذ سلساً حينها، وصرّح مسؤولو السجون بأن العملية نجحت تماماً.غير أن تقارير الطب الشرعي بعد أشهر كشفت الكارثة، ففريق التنفيذ استخدم عن طريق الخطأ مادة أسيتات البوتاسيوم بدلاً من كلوريد البوتاسيوم، أي أنهم استخدموا مركباً لا يوقف القلب فعلياً.واكتُشف الخطأ لاحقاً عندما أُوقفت عملية إعدام أخرى لنفس السبب، فأُغلق جناح الإعدام في أوكلاهوما لأجل غير مسمّى.وفي ولاية أريزونا في عام 2014، عاش جوزيف وود، الذي أُدين بقتل صديقته السابقة ووالدها في عام 1989، واحدة من أطول لحظات الموت في تاريخ الولايات المتحدة، إذ كان يُفترض أن تستمر الحقنة المميتة عشر دقائق فقط، لكنّ مزيجاً تجريبياً من ميدازولام وهيدرو مورفون تركه واعياً ومتألماً.واستمر في اللهاث والأنين لنحو ساعتين، وأحصى الشهود أكثر من 600 نفس وهو يتشنج على السرير المعدني، وفي النهاية اضطر الأطباء إلى حقنه بجرعات إضافية في محاولة فاشلة لإنهاء حياته، بينما همس الصحافيون في القاعة بأن شيئاً فظيعاً يحدث، لتصبح تلك الواقعة من أطول عمليات الإعدام في التاريخ الحديث، وأعادت النقاش حول مدى إنسانية هذا النوع من القتل القانوني.وفي فلوريدا عام 1990، شهدت الولايات المتحدة أحد أكثر المشاهد وحشية حين جلس جيسي تافيرو، المدان بقتل شرطيَّين في استراحة طريق، على الكرسي الكهربائي، وما إن ضغط الفني على الزر حتى تطايرت الشرارات من قناع الرأس وتصاعد الدخان من فمه، ليتبين أن العاملين استخدموا إسفنجة صناعية جافة بدلاً من إسفنجة طبيعية مبللة بالماء.آنذاك تعطّل التيار الكهربائي، واشتعلت النيران في وجهه أمام ذهول الشهود، فيما كرر الفنيون الصدمة ثلاث مرات حتى فارق الحياة بعد دقائق من الاحتراق، لتتحول صور الحادث إلى رمز دامٍ لتراجع الإعدام الكهربائي في أمريكا.أما في ميسيسيبي عام 1983، فكانت المأساة داخل غرفة الغاز التي استخدمت للمرة الأخيرة لإعدام جيمي لي غراي، المحكوم باغتصاب وقتل طفلة في الثالثة من عمرها، فقد امتلأت الغرفة بغاز السيانيد، وبدأ المحكوم يتشنج بعنف ويضرب رأسه بعمود معدني داخل الكبسولة وهو يصرخ ويتألم.وبعد مرور عدة دقائق من المشهد المفزع، اضطر الحراس إلى إخلاء قاعة الشهود، لكن صرخاته استمرت حتى توقف جسده عن الحركة، وتخلت الولاية لاحقاً عن هذا الأسلوب إلى الأبد.وفي واقعة حديثة تعود إلى جنوب كارولاينا في عام 2025، واجه ميكال دين مهدي، المحكوم بإعدامه منذ عام 2002 بتهمة قتل ضابط شرطة، فرقة إعدام رمياً بالرصاص بعد رفضه الحقن القاتلة.وكان من المفترض أن تُطلق ثلاث بنادق النار نحو قلبه بدقة، لكن تقرير التشريح كشف أن رصاصتين فقط أصابتاه، ولم تكن أيٌّ منهما في منطقة القلب، وأكد شهود الحادث أنه ظل يتنفس ويتأوه لأكثر من دقيقة بعد إطلاق النار، بينما أصرت السلطات على أن الإعدام تم وفق المعايير الإنسانية.وليس الفشل حديث العهد فقط، فالتاريخ الأمريكي يحتفظ أيضاً بواقعة مروعة تعود إلى عام 1851 في ولاية ويسكونسن، عندما أُعدم جون مكافري شنقاً بتهمة قتل زوجته عبر إغراقها في بئر خلف منزله.حينها أخطأ منفذو الحكم في حساب طول الحبل، فظل الرجل يتدلّى ويتخبط أكثر من عشرين دقيقة أمام مئات المتفرجين، لدرجة أن بعضهم فقد وعيه من هول المشهد، وأثارت الحادثة غضباً واسعاً في الولاية التي سارعت بعدها إلى إلغاء عقوبة الإعدام نهائياً، لتكون أولى الولايات الأمريكية التي تتخذ هذا القرار.أحدهم احترق رأسه قبل وفاته.. أبشع أخطاء عمليات الإعدام في التاريخ
مدار الساعة ـ











