أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات مغاربيات دين بنوك وشركات خليجيات اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

رئيس 'حزبي' لمجلس النواب


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

رئيس 'حزبي' لمجلس النواب

أ. د. ليث كمال نصراوين
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ

قرّر مجلس النواب في جلسته الأولى بعد إلقاء خطبة العرش الملكية اختيار النائب مازن القاضي رئيسا له عن طريق التزكية؛ وهي ممارسة مرتبطة بالعملية الانتخابية يُلجأ إليها عند عدم إعلان أكثر من مترشح واحد رغبته في خوض الانتخابات بأنواعها المختلفة. وعلى الرغم من أن النظام الداخلي لمجلس النواب لم ينص صراحة على "التزكية"، إلا أنها يُفهم ضمنا من المادة (14) التي حددت آليتين مختلفتين لانتخاب الرئيس تبعا لعدد المترشحين، سواء كان عدد المترشحين يزيد على اثنين، أو يقتصر عليهم فقط. وعليه، فإذا أعلن مترشح واحد فقط رغبته في خوض انتخابات رئاسة المجلس، فلا سبيل لإسناد المنصب إليه إلا بالتزكية، وهي ممارسة طُبقت في أكثر من مناسبة في برلمانات سابقة.

ويبقى اللافت للنظر استمرار مجلس النواب في اختيار رئيسه من خلفية حزبية؛ وهي ممارسة برلمانية إيجابية تعزز دور الأحزاب والكتل النيابية وتُسهم في انتقال الحياة النيابية إلى طور حزبي أكثر تنظيما. غير أن انتخاب رئيس حزبي يطرح تساؤلا مشروعا حول مدى قدرته على ممارسة دوره بحياد كامل إزاء جميع الكتل والنواب، إذ تثور مخاوف من استغلال الرئيس "الحزبي" لصلاحياته الإدارية والتنظيمية المقررة في النظام الداخلي لخدمة حزبه أو تكتله ومحاباة أعضائه على حساب باقي النواب.

وعلى الرغم مما صرح به الرئيس الجديد في خطابه الافتتاحي من التزامه بمبدأي المساواة والحياد، وبأنه "سيكون على مسافة واحدة من الجميع دون تمييز أو محاباة"، فإن النوايا الحسنة ـ على أهميتها ـ لا تكفي وحدها لضمان الحياد؛ إذ لا بد من تأطيرها بنصوص واضحة ترسخ هذا الالتزام وتجعل منه واجبا مؤسسيا يترتب على مخالفته تبعات سياسية. ومن هنا، يلزم تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب لتضمينه نصا صريحا يُلزم رئيس المجلس وأعضاء المكتب الدائم بعدم التأثر بانتماءاتهم الحزبية أو الكتلوية عند ممارسة صلاحياتهم.

وتبرز أهمية تكريس حياد القائمين على إدارة مجلس النواب بنصوص تنظيمية ثابتة تخاطب الرئيس ونوابه والمساعدين، في ظل تعذر تطبيق بعض الممارسات الدستورية التي تتبناها ديمقراطيات نيابية عريقة، وتقضي بإلزام رئيس المجلس بالتجرد من حزبيته وقطع روابطه السياسية؛ كما في مجلس العموم البريطاني حيث يعلن رئيسه (Speaker) تنكره للحزب المنتمي إليه عند توليه الرئاسة.

غير أن هذا النظام، الذي يقوم على تخلي رئيس مجلس النواب عن انتمائه الحزبي، يتعارض مع أحكام قانون الانتخاب الذي نصّ على أن خروج النائب من الحزب الذي ترشح باسمه وفاز بمقعده يترتب عليه فقدان عضويته في المجلس بقوة القانون.

وعليه، فإن حياد رئيس مجلس النواب الحزبي في الأردن لا يتحقق بفصل عضوي بينه وبين حزبه السياسي، بل من خلال إقرار منظومة تشريعية داخلية تُلزم الرئيس بمراعاة مبدأي المساواة وعدم التمييز في إدارة الجلسات وممارسة أعمال الرئاسة، وهو ما يستدعي النص صراحة على حيادية الرئيس الحزبي في النظام الداخلي لمجلس النواب.

ويمتد التحدي "الحزبي" إلى باقي أعضاء المكتب الدائم لمجلس النواب الذي تشكل هذا العام من أعضاء ينتمون إلى أحزاب وتيارات سياسية متباينة؛ وهي توليفة قد تحمل دلالات إيجابية على التعددية الحزبية والكتلوية الجديدة في المجلس الحالي، لكنها تثير تساؤلات حقيقية حول الكيفية التي ستدار بها الشؤون داخل هذا المكتب. فإذا جاز توصيف اختيار أعضائه بأنه جاء من ائتلاف نيابي شكلته مجموعة من الأحزاب والكتل، فإن التحدي الأبرز يكمن في مدى قوة هذا الائتلاف وقدرته على البقاء خلال الأشهر الستة التي تتكون منها الدورة العادية الثانية.

ومن مواطن القلق على هذا الائتلاف وعلى "تقاسم كعكة" مقاعد المكتب الدائم، أن النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب جاء قاصرا عن تنظيم الائتلافات الحزبية من حيث تعريفها، والإجراءات المتبعة لتشكيلها، وحالات انقضائها. فعلى الرغم من أن الفصل الخامس من النظام الداخلي جاء بعنوان "الكتل والائتلافات النيابية"، إلا أنه كان قاصرا عن إيراد أحكام تنظيمية تتعلق بإنشاء هذه الائتلافات وآليات عملها، مما يجعل هذه التفاهمات الحزبية والكتلوية ممارسة نيابية يعوزها التنظيم القانوني، ويُخشى أن ينعكس ذلك سلبا على إدارة المكتب الدائم في دورته الحالية.

إن الواقع السياسي الذي أفرزته انتخابات المكتب الدائم يفرض جملة من الاستحقاقات التشريعية على النظام الداخلي لمجلس النواب، أهمها: النص صراحة على إمكانية اللجوء إلى "التزكية" في اختيار أعضاء المكتب الدائم عند عدم وجود أكثر من مترشح، وتضمين النظام أحكاما واضحة تُلزم الرئيس الحزبي بالحياد والموضوعية في ترؤس الجلسات والتعامل مع الكتل واللجان، إضافة إلى إيجاد منظومة تشريعية دقيقة تحكم عمل الائتلافات النيابية بدءا من تشكيلها ومرورا بآليات عملها وانتهاء بانقضائها.

إن انتخاب رئيس حزبي بالتزكية ليس واقعة عابرة في مسارنا السياسي، بل اختبار حقيقي لقدرة النظام البرلماني على التكيف مع واقع حزبي جديد يتشكل تدريجيا. فإن نجح الرئيس في تجسيد الحياد الذي أعلنه، اكتسبت التجربة الحزبية رصيدا من الثقة وتلقت الإصلاحات المؤسسية دفعة إلى الأمام؛ أما إذا غلبت الاعتبارات الحزبية مقتضيات الموقع، ارتددنا عن الغاية المنشودة من تحديث الحياة السياسية.

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ