لماذا تترك الطائرات النفاثة خطوطاً بيضاء في السماء؟

مدار الساعة -تشهد السماء في مختلف أنحاء العالم حركة كثيفة للطائرات النفاثة يوميا، سواء كانت طائرات مقاتلة متطورة أو رحلات تجارية تنقل الركاب، ومع ذلك، كثير من الناس يلاحظون ظاهرة الخطوط البيضاء التي تتركها الطائرات خلفها أثناء التحليق، دون معرفة أسبابها العلمية.

هذه الخطوط، المعروفة باسم "الآثار المكثفة"، ليست سوى آثار ناتجة عن تكاثف بخار الماء الناتج عن احتراق وقود الطائرات في الارتفاعات العالية والباردة جدا، حيث يتحول بخار الماء إلى بلورات ثلجية صغيرة.

رغم انتشار نظريات المؤامرة التي تشير إلى أن هذه الخطوط قد تكون "آثار كيميائية" تحتوي على مواد كيميائية أو معادن تهدد الصحة العامة، إلا أن العلماء يؤكدون أنها لا تشكل أي خطر على البشر. فالآثار المكثفة هي مجرد تكاثف بخار الماء، وتتشابه في طبيعتها مع السحب العادية الموجودة في الغلاف الجوي

لكن تأثير هذه الظاهرة لا يقتصر على الجانب البصري فقط، بل يمتد إلى البيئة والمناخ. بحسب وكالة حماية البيئة الأمريكية، فإن كثافة هذه الآثار يمكن أن تزيد من مستوى الغيوم في السماء، ما يؤثر بدوره على درجة حرارة الأرض. فالغيوم تعكس جزءا من الإشعاع الشمسي القادم وتحتجز حرارة الأرض، وهو ما يساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. تعتمد مدة بقاء هذه الخطوط في السماء على درجات الحرارة والارتفاع، فبعضها يتلاشى بسرعة بينما يبقى الآخر لفترات أطول، ما يزيد من تأثيرها المحتمل على المناخ.

إضافة إلى ذلك، يترك احتراق وقود الطائرات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ومع أن ثاني أكسيد الكربون موجود طبيعيا في الغلاف الجوي، فإن زيادته نتيجة الأنشطة البشرية، ومنها الطيران، تؤدي إلى احتجاز المزيد من الحرارة، وهو ما يعرف بتأثير الدفيئة. وتشير الدراسات إلى أن قطاع الطيران مسؤول عن نحو 2.5% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن البشر حول العالم.

وبينما تبقى هذه الظاهرة آمنة على البشر من الناحية الصحية، فإن العلماء يؤكدون أن لها تأثيرا بيئيا سلبيا على المدى الطويل. فزيادة الغيوم الصناعية والتغيرات في توزيع الحرارة في الغلاف الجوي يمكن أن تؤثر على المناخ العالمي، وهو ما يجعل مراقبة هذه الظاهرة وفهمها أمرا مهما ليس فقط للطيران، بل لحماية البيئة أيضا.

باختصار، الخطوط البيضاء التي تتركها الطائرات ليست مؤامرة، بل نتيجة طبيعية لاحتراق الوقود في الظروف الجوية العالية والباردة، لكنها تضع بصمتها على البيئة والمناخ، ما يدفع العلماء والمختصين إلى دراسة تأثيراتها بعناية لتقليل أي أضرار محتملة على كوكب الأرض.