"التحوّل الذكي لا يقاس بعدد الكاميرات، بل بمدى انعكاسه على راحة المواطن وسلامته اليومية".
في خطوة هي الأوسع، شرعت أمانة عمّان الكبرى بتركيب نحو ٥٥٠٠ كاميرا مراقبة ذكية في مختلف شوارع العاصمة، ضمن مشروع يهدف إلى إدارة الحركة المرورية باستخدام الذكاء الاصطناعي، في إطار رؤية "عمّان المدينة الذكية".وستعمل الكاميرات على مدار الساعة لرصد مخالفات مثل السرعة الزائدة واستخدام الهاتف أثناء القيادة وعدم ارتداء حزام الأمان، إضافة إلى الوقوف في الأماكن الممنوعة.ويأتي المشروع - وفق تصريحات الأمانة - لتحسين السلامة المرورية وتحليل أنماط السير عبر مركز رقمي موحد.مشروع ضخم ولكن.. بلا أرقام واضحةرغم أهمية الهدف المعلن، يبقى الغموض سائدا في تفاصيل المشروع المالية، إذ لم تعلن الأمانة حتى الآن الكلفة الإجمالية لتركيب وتشغيل هذه الشبكة، ولا مصدر تمويلها الكامل، ولا المورّد، ما يثير تساؤلات مشروعة حول جدوى هذا الإنفاق الكبير في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة يعيشها المواطن، وعجز واضح في موازنة الأمانة.فهل كان بالإمكان استثمار هذه الموارد في مجالات تخدم المواطن بشكل أنجع، مثل تحسين البنية التحتية أو دعم النقل العام أو تطوير إشارات مرور ذكية تنظم الحركة وتخفف الازدحام؟الذكاء الاصطناعي لخدمة من؟ إن استخدام الذكاء الاصطناعي في المدن الحديثة يجب أن يستخدم لتسهيل الحياة، لا تعقيدها.فبدلامن حصر استخدام الكاميرات في رصد المخالفات وفرض الغرامات، يمكن توظيفها في تحليل تدفق المركبات، وتحديد نقاط الاختناق المروري، وإرسال تنبيهات فورية للسائقين عبر لوحات إلكترونية أو تطبيقات عامة.بهذه الطريقة، تصبح الكاميرات أداة إدارة ذكية للحركة المرورية، لا مجرد وسيلة للمخالفة الآلية.الخصوصية سؤال معلّقحتى الآن، لم تعلن أمانة عمّان عن سياسات واضحة تتعلق بحماية بيانات المواطنين، أو المدة الزمنية لحفظ التسجيلات، أو الجهة المخولة بالاطلاع عليها، ولا حتى آلية الاعتراض في حال وقوع خطأ في تسجيل المخالفات.ومع غياب هذه التفاصيل، يبقى التخوف مشروعاً من أن يتحوّل المشروع من نظام رقابي ذكي إلى نظام رادع قاس، يضيف أعباءً مالية على المواطن دون أن ينعكس إيجاباً على حياته اليومية.المدينة الذكية حين تخدم الإنسان لا المخالفةفي مدن عربية متقدمة مثل دبي والرياض، تم توظيف التكنولوجيا بطريقة تُوازن بين الرقابة والخدمة.ففي دبي مثلاً، تستخدم الكاميرات لتحليل حركة المرور وتوجيه السائقين فوراً إلى الطرق الأقل ازدحاماً عبر شاشات إلكترونية، ما خفّض زمن الرحلات بنسبة كبيرة.أما الرياض، فربطت نظام المراقبة الذكية بتطبيقات النقل والطوارئ، بحيث تُرصد الحوادث فور وقوعها ويوجه الدعم الميداني مباشرة.هذه النماذج تثبت أن التكنولوجيا حين تُسخَّر لخدمة المواطن، تحوِّل المدينة إلى بيئة أكثر أماناً وإنسانية، لا إلى مساحة عقوبات رقمية.لا أحد يعارض تطوير أنظمة المرور وتحديثها، لكن السؤال يبقى:هل ستستخدم كاميرات عمّان لخلق مدينة ذكية تخدم المواطن، أم ستتحول إلى مدينة مراقبة تثقل المواطن بالمخالفات؟الجواب لن يظهر في عدد الكاميرات المثبتة على الأعمدة، بل بمقدار الثقة التي سيشعر بها المواطن حين يرى أن التكنولوجيا جاءت لتُسهّل حياته، لا لتسجّل عليه.الكردي تكتب: كاميرات المراقبة.. رقابة ذكية أم أولوية خاطئة؟
مدار الساعة ـ