أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الكردي تكتب: متى نحتفل نحن؟


جوان الكردي

الكردي تكتب: متى نحتفل نحن؟

مدار الساعة ـ

في مساء مهيب شاهد العالم افتتاح صرح ثقافي ضخم يذكر أن الحضارة حين تعرض بذكاء تتحول إلى مصدر قوة اقتصادية وسياحية.

ما شهدناه لدى الدول الشقيقة من مشاريع كبرى ومواسم ثقافية وترفيهية يؤكد أن الإرادة السياسية والرؤية الواضحة قادرة على تحويل التاريخ إلى أثرحي يعود بالنفع على الشعوب.

لكن هنا، في قلب الأردن، نملك مواقع يسردها الزمن: البترا وعمون وجرش والكرك وأم قيس وأم الجمال.. كنوز أثرية وإنسانية تستدعي نفس الرؤية والاهتمام.

الأمر لا يقصُر على بناء متحف أو تنظيم مهرجان، بل على كيف نروج لهويتنا وندير مواردنا. الحضارة ليست صورة معلقة على الجدار، بل صناعة للمستقبل: بنية تحتية جيدة، إدارة محترفة، تسويق ذكي، واستثمار يوفر فرص عمل ومستقبلا مستداما للأجيال.

الدول التي رفعت من شأنها مشاريع ثقافية وسياحية صنعت لنفسها دخلاًمستمرا وحضورا عالميا؛ فلماذا لا نبدأ نحن؟

لكن الحديث عن الاحتفال يجب أن يقابله استماع لصوت الشارع، صوت مواطنين قلقين ومحبطين. هم لا يطالبون بزخارف فقط، بل بإصلاح حقيقي يلمس حياتهم اليومية. هناك خشية من سياسات تتميز بالتبديل المستمر للوجوه بدون محاسبة أو برامج واضحة، ومن إصلاحات لم تكتمل..

المواطن يتساءل عن القدرة على تأسيس أحزاب قوية، وعن جودة التمثيل النيابي التي تبدو أحيانا بعيدة عن مستوى تمثيل الوطن الحقيقي.

المخاوف تتعدى السياسة إلى معيشة الناس: ارتفاع الأسعار وانعدام الرقابة وشح المياه وتدهور الزراعة وانتشار الفقر وتلاشي الطبقة الوسطى مشكلة البطالة المتفشية بين الشباب، وتراجع مستويات التعليم والخدمات الصحية. هناك استياء من تعدد الضرائب والرسوم. المواطن يئن من إجراءات تراها جائرة، ومن فساد يلتهم ثقة الناس، ومن غياب العدالة والكرامة.

كما يواجه الوطن تهديدات إقليمية وتأثيرات خارجية تمس وحدته وأمنه، وهذا يتطلب موقفاً واضحاً وحماية فعّالة لمنع أي اختراق أو تأثير على مؤسساتنا. لا يقلق الناس فقط على حاضرهم، بل على مستقبل وطنهم ودوره الإقليمي الذي خف بمرور الزمن.

مطلوب اليوم رؤية وطنية شاملة: مشروع ثقافي وسياحي وطني قادر على جذب الزوار والاستثمار، وإصلاحات إدارية وقانونية تجعل من مؤسسات الدولة أدوات خدمة حقيقية للمواطن. مطلوب أيضاً سياسات اقتصادية تحمي المواطن والمستثمر معا، وبرامج اجتماعية تعيد بناء الأمل لدى العائلات والشباب.

نحن لا نريد أن يروي الآخرون قصتنا؛ نريد أن نعيد روايتها نحن، بفكر حديث، وبإدارة شفافة، وبحماية لتاريخنا وكرامة مواطنينا. الأمم التي تعرف كيف تكرّم ماضيها هي وحدها القادرة على صناعة مستقبلها. الأردن يستحق أن يحتفي بنفسه احتفاءاً لا يقل بريقه عن مشاريع الدول الأخرى، ولكن قبل ذلك يجب أن يُسمع صوت القلق وأن يتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الناس ويمنحهم ثقة وأملا بالمستقبل.

مدار الساعة ـ