يشكّل افتتاح المتحف المصري الكبير علامة فارقة في التاريخ الثقافي الحديث للمنطقة العربية ليس بوصفه صرحًا أثريًا فحسب بل كمنجز وطني جمع بين الهوية والتاريخ والحداثة في مشروع حضاري متكامل. إنه نموذج يُظهر كيف يمكن للأمم أن توظّف ماضيها العريق لبناء مستقبلها المشرق وأن تجعل من تراثها موردًا للمعرفة والتنمية الاقتصادية في آنٍ واحد.

من هذا الإنجاز يمكن للأردن أن يستلهم تجربة مصر في تحويل التاريخ إلى قوة ناعمة ومورد اقتصادي وسياحي. فالأردن يمتلك إرثًا حضاريًا غنيًا يمتد من الأنباط في البترا إلى الرومان في جرش ومن فسيفساء مأدبا إلى قلاع الصحراء التي تروي حكاية الدولة العربية والإسلامية. هذا التنوع التاريخي يشكّل قاعدة قوية لإقامة مشروع وطني أردني يُبرز الهوية الأردنية ويقدّمها بأسلوب حديث ومبتكر.

إن فكرة إنشاء متحف الأردن الكبير يمكن أن تكون مشروعًا وطنيًا جامعًا يدمج بين التاريخ القديم وتاريخ الدولة الأردنية الحديثة ويعرض قصة الوطن من جذورها العميقة حتى بناء الدولة بقيادة الهاشميين. هذا المتحف لن يكون مجرد مكان للعرض بل مركزًا تفاعليًا للتعلّم والبحث والتجربة السياحية الحديثة يربط بين الأجيال ويُعزز الانتماء الوطني.

تجربة المتحف المصري أكدت أن التراث ليس ماضيًا يُروى فقط بل هو مورد اقتصادي يُستثمر. فمثل هذه المشاريع تخلق فرص عمل وتنشّط السياحة وتُحفّز الاستثمار في البنية التحتية والخدمات المحيطة بها. والأردن بما يمتلكه من أمن واستقرار ومكانة سياسية وثقافية مؤهّل ليكون مركزًا للسياحة الثقافية في المنطقة.

كما أن نجاح مثل هذه المشاريع يتطلب تخطيطًا تشاركيًا بين الدولة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية لضمان أن يظل المشروع حيًا ومتطورًا وأن يخدم الأجيال القادمة كما يخدم الحاضر.

أن الحضارة حين تُعرض بروح العصر تصبح رسالة وطنية وإنسانية. والأردن بتاريخِه العريق وقيادتِه الحكيمة وشعبِه الواعي قادر على أن يُحوّل تراثه إلى مصدر فخرٍ وتنمية ومشروعٍ وطنيٍّ يروي قصة هذا الوطن العزيز على مر الزمان.