أخبار الأردن اقتصاديات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب مجتمع أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة جاهات واعراس مستثمرون شهادة الموقف مناسبات جامعات بنوك وشركات خليجيات مغاربيات دين اخبار خفيفة ثقافة رياضة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

“حُرّاس الذاكرة”.. من موسكو إلى العالم العربي.. كيف تُعلّمنا التجربة الروسية أن الأمم تُبنى بالذاكرة لا بالنسيان


صدام المشاقبة

“حُرّاس الذاكرة”.. من موسكو إلى العالم العربي.. كيف تُعلّمنا التجربة الروسية أن الأمم تُبنى بالذاكرة لا بالنسيان

مدار الساعة ـ

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتضيع فيه التفاصيل، تبرز الحاجة إلى التمسك بالذاكرة كقيمة وطنية وثقافية تحفظ للأمم هويتها واستمرارها. من هذا المنطلق جاءت مشاركتي في منتدى التعاون الدولي المكرّس للاحتفال بالذكرى المئوية للدبلوماسية الشعبية الروسية، الذي يعد من أبرز الفعاليات الثقافية التي شهدتها روسيا هذا العام، بدعم من الوكالة الفدرالية الروسية للتعاون الدولي والبيت الروسي في عمّان.

قدّمت خلال المنتدى ورقة بحثية تناولت تاريخ و آفاق العلاقات الروسية – العربية، ضمن فعاليات المشروع الدولي “حُرّاس الذاكرة”، وهو مشروع علمي وثقافي يهدف إلى دراسة التراث التاريخي الروسي بعمق، ويجمع تحت مظلته باحثين ومؤرخين وصحفيين من مختلف دول العالم. يقوم هذا المشروع على فكرة أساسية مفادها أن التاريخ ليس مجرد أرشيف من الماضي، بل هو أداة حية لتشكيل الهوية الوطنية وتعزيز الوعي الجمعي.

خلال مشاركتي، التقيت عدداً من الشخصيات الروسية البارزة، من بينهم يفغيني بريماكوف (حفيد رئيس الوزراء الروسي و وزير الخارجية الذي عرفه بصداقاته مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين)، رئيس الوكالة الروسية للتعاون الإنساني الدولي Rossotrudnichestvo، ومديرة الإعلام في وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إلى جانب نخبة من المؤرخين والخبراء في التاريخ الروسي. في كل تلك اللقاءات، كان واضحاً مدى الوعي الذي تبديه روسيا تجاه أهمية الذاكرة التاريخية في صياغة سياساتها وتعزيز مكانتها الدولية. فالحرب العالمية الثانية، التي يسميها الروس “الحرب الوطنية العظمى”، ليست بالنسبة لهم حدثاً من الماضي، بل جزء من الحاضر، وشكل من أشكال الدفاع المستمر عن الهوية الروسية وروحها الوطنية.

هذه التجربة تضع أمامنا، في العالم العربي، سؤالاً ملحاً حول كيفية تعاملنا مع ذاكرتنا الجمعية. فكم من الأحداث المفصلية في تاريخنا المعاصر لم تُحفظ كما يجب، أو أُهملت حتى صارت في طيّ النسيان؟ إن غياب مشروع عربي متكامل لحفظ التاريخ يترك فراغاً خطيراً في الوعي الجمعي، ويجعل الأجيال الجديدة أقل ارتباطاً بجذورها الوطنية.

من خلال الجولات التي شملت مجلس الدوما ووزارة الخارجية الروسية وعدداً من المتاحف والمعالم التذكارية، أدركت أن حفظ الذاكرة في روسيا ليس ترفاً ثقافياً، بل جزء من استراتيجيتها الوطنية. فكل معلم وكل نصب تذكاري هناك يؤدي وظيفة تربوية ومعنوية في آنٍ واحد، لتبقى الأحداث الكبرى حاضرة في وجدان الشعب ومؤسساته.

إن التجربة الروسية في تحويل التاريخ إلى ركيزة للهوية الوطنية يمكن أن تكون مصدر إلهام للعالم العربي، الذي يحتاج اليوم إلى إعادة بناء علاقته مع تاريخه على أسس علمية وثقافية راسخة. فالتاريخ ليس ما حدث فحسب، بل ما نختار أن نتذكّره وكيف نرويه، والذاكرة ليست عبئاً من الماضي، بل طاقة للمستقبل.

مدار الساعة ـ