أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

الزعبي يكتب: اللي ما هو من ترابها... ما يهمه خرابها


محمد علي الزعبي

الزعبي يكتب: اللي ما هو من ترابها... ما يهمه خرابها

مدار الساعة ـ

كلمة تختصر الفارق بين من يسكن الأرض، ومن تسكنه الأرض، بين من يعيش على الوطن، ومن يعيش للوطن. بين من يرى في ترابه مجرد جغرافيا، ومن يراه هوية وكرامة وذاكرة.

فمن لم يتربَّ على عشق هذا التراب، لن تؤلمه شقوقه، ولن تغضبه أوجاعه، ولن يسهر الليل قلقًا على مستقبله، لأن الانتماء لا يُمنح ببطاقة هوية، ولا يُكتسب بخطاب حماسي، بل يُزرع في القلب منذ الطفولة، حين تتعلق العين براية الوطن، ويكبر الحلم في ظلال تضحياته.

هذا المثل الشعبي ليس مجرد حكمة تُقال في المجالس، بل هو معيارٌ يُفرز به الصادق من المدّعي، والمخلص من المتسلق، والعامل من المتفرّج، لأن من لا يرى في خراب الوطن خرابًا لبيته، سيبقى متفرجًا باردًا، لا يعنيه إن تعثرت المؤسسات أو ضعفت القيم أو تبدلت المواقف، فكل ما يهمه مصلحته الآنية، لا مصلحة الوطن.

الذي "ليس من ترابها" لا يُوجعه خرابها، لأنه لم يتعب في بنائها، ولم يسقها بعرقه، ولم يحمل همها في ليالي الأزمات، أما من ينتمي فعلاً، فكل جرح في الوطن يوجعه كجرح في قلبه، وكل انكسار يصيبه كأنما أصاب بيته وأهله وأحلامه.

في زمن تتداخل فيه الولاءات وتُختبر فيه النوايا، نحتاج أن نُعيد تذكير البعض أن الوطن ليس فندقًا نغادره حين تسوء الخدمة، بل هو بيتنا الأبدي الذي نصونه حتى لو ضاق بنا، وأن الغيرة على الوطن ليست شعارًا نرفعه في المناسبات، بل سلوكًا نمارسه في العمل والصدق والنزاهة.

"اللي ما هو من ترابها... ما يهمه خرابها"، قول يصف بدقة من لا يعنيه سوى ذاته، ومن يرى في الوطن سلّمًا يصعد عليه ثم يركله بعد الوصول، لكن هذا الوطن لا يُبنى بالحياد، ولا ينهض بالمتفرجين، بل بمن يؤمن أن الدفاع عنه فرض، والوفاء له دين، وأن الخيانة ليست فقط بالسكين، بل بالصمت حين يجب الكلام، وباللامبالاة حين يتألم الوطن.

الوطن لا يطلب منا المستحيل، فقط يطلب أن نكون أوفياء لترابه، صادقين مع أنفسنا، عاملين لأجله لا لأجلنا. فمن كان من ترابه، سيحميه بدمه قبل قلمه، وبفعله قبل قوله، أما من لم يخرج من رحم هذا التراب، فلن يدرك يومًا قيمة حفنة منه.

وفي النهاية، سيبقى هذا المثل شاهدًا على حقيقة ثابتة: أن الأوطان لا يحميها من يسكنها فقط، بل من تسكنهم هي، فترابها يسكن أرواحهم، وكرامتها تجري في عروقهم، وأمنها ورفعتها هما مرآة وجودهم.

مدار الساعة ـ