مدار الساعة -في زاوية متواضعة من مطعم «ديني» العائلي في سان خوسيه، كاليفورنيا، ولدت شرارة فكرة غيرت وجه العالم. اليوم، أصبحت الشركة التي نشأت على طاولة القهوة والفطائر هي «إنفيديا» (Nvidia)، عملاق صناعة الرقائق والقوة الدافعة خلف ثورة الذكاء الاصطناعي، والتي تجاوزت لتوها حاجز الـ تريليوني دولار لتصبح أول شركة في العالم تبلغ قيمتها 5 تريليونات دولار!
على الرغم من أن لوحة معلقة فوق الكشك التاريخي في «ديني» تحتفل بميلاد «شركة بقيمة تريليوني دولار»، فإن الواقع الاقتصادي تجاوزها بالفعل. هذا الفارق الهائل في القيمة يعكس السؤال الأبدي الذي يحمله صدى رسالة اللوحة: «من كان ليتصور أن فكرة بدأت هنا يمكن أن تغير العالم؟» الجواب، كما اتضح، يكمن في قلب قصة التأسيس التي كشف عنها بطلها نفسه، الرئيس التنفيذي لـ إنفيديا، جينسن هوانغ.لم يكن مطعم «ديني» مجرد مكان للاجتماعات بالنسبة لهوانغ؛ بل كان جزءاً أصيلاً من رحلة كفاحه. ففي سن الخامسة عشرة، بدأ هوانغ العمل في «ديني» كغاسل أطباق، ومساعد نادل، ونادل. بعد سنوات، عندما أصبح مهندساً في وادي السيليكون، اختار هوانغ هذا الفرع تحديداً ليكون «أول مكتب» له ولصديقيه لإطلاق شركته الناشئة.البداية المتواضعةيقول هوانغ في أحد منشوراته: «كان (المكان) يحتوي على كل القهوة التي يمكنك شربها، ولم يكن أحد يطاردك». هذه البداية المتواضعة ليست مجرد حكاية طريفة، بل هي جوهر شخصية هوانغ والقيم التي بنيت عليها ثقافة إنفيديا.قصة إنفيديا تقدم دليلاً عملياً للقادة: مشاركة قصة التأسيس الأصيلة ليست رفاهية، بل هي أداة قيادية تبني الثقافة وتلهم الفرق. يتطلب بناء قصة أصلية قوية أربعة عناصر رئيسية:تبدأ الأفكار العظيمة بلحظة إلهام أو بتحديد مشكلة تحتاج إلى حل جذري. لم تكن شرارة «إنفيديا» مجرد رقاقة، بل رؤية لهوانغ ورفاقه عن مستقبل الحوسبة التي بدأت بحل مشكلة دفع الإيجار عبر تأجير المراتب الهوائية، هي مثال آخر على كيف يمكن لـ «الحاجة» أن تشعل شرارة مشروع بملايين الدولارات.التجارب المؤثرة والكفاحمن الصعب التعاطف مع ملياردير يدير شركة بقيمة تريليونات. لكن التعاطف يتدفق عندما يروي القائد قصص الكفاح والمصاعب. عندما يتحدث هوانغ عن عمله كغاسل أطباق في أدنى السلم الوظيفي، يرى الجمهور نفسه على خطاه. هذه القصص تمنح الناس الأمل في قدرتهم على التغلب على التحديات وتحقيق أحلامهم، بغض النظر عن نقطة البداية.الدروس المستفادةالقصة لا تكتمل دون ربطها بقيم الشركة الحالية. يفتخر هوانغ بأنه كان «أفضل نادل رآه الزبائن»، وأنه «لم يعد أحد قادراً على حمل أكواب قهوة أكثر منه». هذه التجارب علمته ثلاثة دروس أساسية لا تزال تحكم إنفيديا.يستخدم هوانغ هذه الدروس لشرح ثقافة «التعاون بين مختلف الوظائف» في إنفيديا، حيث يشجع المديرون على الاقتراب من الفرق لحل المشكلات معاً.لا يكفي سرد القصة مرة واحدة. عندما يكرر القائد قصة الأصل باستمرار، فإنها تتحول من مجرد انعكاس لتجربة شخص واحد إلى أن تصبح «قصة الشركة». هذا الاتساق يبني الثقة والمصداقية ويذكر الجميع، بغض النظر عن مدى ضخامة «إنفيديا»، بأن معاييرها وقيمها الثقافية مستمدة من تجربة عامل نظافة شاب رفض مغادرة المحطة خالي الوفاض.وكما قال هوانغ لمجلة وايرد: «بناء الثقافة هو سرد القصص». القادة الذين يعبرون عن أصولهم وأهميتها لا يبنون شركات فحسب، بل يبنون ثقافات راسخة تقاوم تقلبات السوق وتدفعها لتغيير العالم.خمسة تريليونات دولار من فنجان قهوة: الرحلة الملحمية من زاوية مقهى إلى قمة الاقتصاد العالمي
مدار الساعة ـ










