أخبار الأردن اقتصاديات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب مجتمع وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف مناسبات جاهات واعراس مستثمرون شهادة جامعات دين بنوك وشركات خليجيات مغاربيات ثقافة رياضة اخبار خفيفة سياحة صحة وأسرة تكنولوجيا طقس اليوم

قرقودة تكتب: الطُّموحُ الَّذي يُشرِقُ معَ كُلِّ نَبْضَةٍ


تغريد جميل قرقودة

قرقودة تكتب: الطُّموحُ الَّذي يُشرِقُ معَ كُلِّ نَبْضَةٍ

مدار الساعة ـ

في أَعماقِنا مَكانٌ لا يعرِفُ السُّكونَ، حيثُ تَتَراقَصُ شَراراتُ الطُّموحِ بلا توقُّفٍ، تَتَوَسَّدُ أَحلامَنا وتَهْمِسُ لَنا بأنَّ القادِمَ دائِمًا أَوْسَعُ، وأَجمَلُ، وأَكثرُ إِثارَةً. الطُّموحُ هُنا ليسَ خُطَّةً صُلبَةً، ولا هَدَفًا يُقاسُ بالمسافاتِ، بَل إِحساسٌ يوقِظُ الرُّوحَ، ويَزرَعُ في القَلْبِ جُرأَةَ التَّجرِبَةِ مِن جديدٍ، وحُبَّ اكتِشافِ ما لَم يُكتَشَفْ بعدُ.

كُلُّ فِكرةٍ تُولَدُ، وكُلُّ تجرِبَةٍ تُخاضُ، تَجعَلُ الحُلْمَ أَقْرَبَ، لَكِنَّها أيضًا تَجعَلُهُ أَعظَمَ. الطُّموحُ يرفُضُ القُيودَ، ويُحِبُّ التَّجوالَ في فَضاءاتٍ غيرِ مُتَوَقَّعَةٍ، كطائِرٍ يَطيرُ حَيْثُ يُرِيدُ، غيرَ مُلتَزِمٍ بالخَريطَةِ، لَكِنَّهُ يَعرِفُ دائمًا الطَّريقَ إِلى نَفسِهِ. هُناكَ يَكمُنُ الجَمالُ: في حُرِّيَّةِ الرَّغبةِ، وفي المُتعةِ الخَفيَّةِ للبَحثِ المُستَمِرِّ عنِ المُمْكِنِ، حتّى وإن بَدا بَعيدًا أَو غامِضًا.

الطُّموحُ يُشرِقُ في التَّفاصيلِ الصَّغيرةِ: في فِكرةٍ جَديدةٍ تُلمِعُ في مُنتَصَفِ اللَّيلِ، في خُطوَةٍ غيرِ مَحسوبَةٍ لَكِنَّها صائِبَةٌ، في ابتِسامَةٍ تُعيدُنا إِلى أَنفُسِنا بَعدَ يومٍ شاقٍّ. هُو لا يَتَوَقَّفُ عندَ النَّجاحاتِ، ولا يُخضِعُ لِلفَشلِ، بَل يَستَمتِعُ بالرِّحلَةِ نَفسِها، بِكُلِّ انعِطافاتِها ومُنْعَطَفاتِها، لأَنَّهُ يَعلَمُ أَنَّ كُلَّ لَحظَةٍ فيها قِيمَةٌ لَم يُعرَفْ مِثلُها مِن قَبْلُ.

وهكَذا، فالطُّموحُ الحَقيقيُّ لَيسَ حُلْمًا يُنجَزُ مَرَّةً واحِدَةً، بَل نَبْضٌ مُتَجَدِّدٌ، يَدعونا لِنَرى العالَمَ بِعُيونٍ مُبتَكَرَةٍ، ويَجعَلُنا نَكتَشِفُ في كُلِّ لَحظَةٍ ما يَستَحِقُّ أَن نَحلُمَ بِهِ مِن جديدٍ. إِنَّهُ الضَّوْءُ الخَفِيُّ الَّذي يَملأُ الحَياةَ أَلوانًا، ويَرسُمُ على كُلِّ يومٍ فُرصَةً لِنُصبِحَ أَكثرَ اتِّساعًا، أَكثرَ جُرأَةً، وأَكثرَ إِنسانِيَّةً.

والطُّموحُ أيضًا صَوتٌ داخِلِيٌّ لا يَكِلُّ مِنَ السُّؤالِ: ماذا لَو؟ ماذا لَو حاوَلْنا بِطَريقَةٍ مُختَلِفَةٍ؟ ماذا لَوِ اكتَشَفْنا في داخِلِنا قُوَّةً لَم نَعرِفْها؟ كُلُّ سُؤالٍ مِن هذِهِ الأَسئِلَةِ يَفتَحُ بابًا جَديدًا، يَجعَلُنا نَتَحَرَّكُ، ويُذَكِّرُنا بأنَّ الحَياةَ لَيسَت لِلجُلوسِ على هامِشِها، بَل لِلغَوْصِ في أَعمَقِ تَجارِبِها، وبأن نَتْرُكَ أَثَرًا ولَو صَغيرًا في العالَمِ مِن حَولِنا.

وفي كُلِّ لَحظَةِ صَمتٍ، وفي كُلِّ لَحظَةِ شَكٍّ، يَظهَرُ الطُّموحُ في أَبْهى صُورَتِهِ: حافِزٌ خَفِيٌّ يَربِطُ بَينَ ما نَعرِفُهُ وما لَم نَجرُؤْ بَعدُ على اكتِشافِهِ. هُو الشُّعورُ الَّذي يَدْفَعُنا لِلقِيامِ مُجدَّدًا بَعدَ كُلِّ تَعَثُّرٍ، ولِرُؤيَةِ الفُرَصِ حَيثُ يَراها الآخَرونَ مُستَحيلَةً. الطُّموحُ هُنا لَيسَ مُجرَّدَ هَدَفٍ، بَل تَجرِبَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ، رِحلَةٌ داخِلِيَّةٌ مُمتَدَّةٌ بلا نِهايَةٍ، تُمنِحُنا القُدرَةَ على إِعادَةِ صِياغَةِ أَنفُسِنا دائمًا، وتَركِ بَصمَةٍ فَريدَةٍ في كُلِّ خُطوَةٍ نَخطُوها.

وفي النِّهايَةِ، الطُّموحُ هُو تِلكَ الطَّاقَةُ الَّتي تَزرَعُها في قَلبِكَ قَبلَ أَن تَزرَعَها في الخارِجِ. هُو رَغبَةٌ صافِيَةٌ في أَن تَكونَ حاضِرًا بِالكامِلِ في رِحلَتِكَ، أَن تَرى كُلَّ لَحظَةٍ فُرصَةً لِلنُّمُوِّ، وأَن تَعرِفَ أَنَّ كُلَّ خُطوَةٍ، مَهما كانَت صَغيرَةً، تَكتُبُ جُزءًا مِن قِصَّةِ نَجاحِكَ.

الطُّموحُ الَّذي يُشرِقُ معَ كُلِّ نَبْضَةٍ هُو وَعدٌ لِلنَّفسِ بأنَّ الحَياةَ لَن تَنتهي قَبلَ أَن نُحقِّقَ أَعظَمَ ما يُمكِنُ أن نَكونَهُ.

مدار الساعة ـ